" لَـمْ تَكُونُوا أحِقَّاءَ أنْ تُؤَجِّلُوا دُونَ العَشْرِ، فإنَّ البِضْعَ ما بـينَ الثَّلاثِ إلـى العَشْرِ، وَزَايِدُوهُمْ فِـي القِمار، وَمادُّوهُمْ فِـي الأجَلِ " ، ففعلوا ذلك، فأظهر الله الروم علـى فـارس عند رأس البِضْع سنـينَ من قمارهم الأوّل، وكان ذلك مرجعَه من الـحديبـية، ففرح الـمسلـمون بصلـحهم الذي كان، وبظهور أهل الكتاب علـى الـمـجوس، وكان ذلك مـما شدّد الله به الإسلام وهو قوله { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ... } الآية. حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، فـي قوله { آلـم غُلِبَتِ الرُّومُ... } إلـى قوله { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ } قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم أخبر الناس بـمكة أن الروم ستُغْلَب، قال: فنزل القرآن بذلك، قال: وكان الـمسلـمون يُحِبون ظهور الروم علـى فـارس، لأنهم أهل الكتاب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا الـمـحاربـيّ، عن داود بن أبـي هند، عن عامر، عن عبد الله، قال: كانت فـارس ظاهرة علـى الروم، وكان الـمشركون يحبون أن تظهر فـارسُ علـى الروم، وكان الـمسلـمون يحبون أن تظهر الروم علـى فـارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلـى دينهم: فلـما نزلت { آلـم غُلِبَتِ الرُّومُ... } إلـى { فِـي بِضْعِ سِنِـينَ } قالوا: يا أبـا بكر: إنّ صاحبك يقول: إن الروم تظهر علـى فـارس فـي بضع سنـين، قال: صدق، قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبـايعوه علـى أربع قلائص، إلـى سبع سنـين، فمضت السبع، ولـم يكن شيء، ففرح الـمشركون بذلك، وشَقَّ علـى الـمسلـمين، فذكروا ذلك للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: فقال: " ما بِضْعُ سِنِـينَ عِنْدَكُمْ؟ " قالوا: دون العشر، قال: " اذْهَبْ فزَايِدْهُمْ وَازْدَدْ سنَتَـيْنِ " قال: فما مضت السنتان، حتـى جاءت الركبـان بظهور الرُّوم علـى فـارس، ففرح الـمسلـمون بذلك، فأنزل الله: { آلـم غُلِبَتِ الرُّومُ... } إلـى قوله{ وَعْدَ اللّهِ لا يُخْـلِفُ اللّهُ وَعْدَهُ } حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن الأعمش، ومطر عن أبـي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله قال: مضت الروم. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { آلـم غُلِبَتِ الرُّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ } قال: أدنى الأرض: الشأم { وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } قال: كانت فـارس قد غَلَبت الروم، ثم أديـلَ الرومُ علـى فـارس، وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فـارِساً " ، فقال الـمشركون: هذا مـما يَتَـخَرّص مـحمد، فقال أبو بكر: تُنَاحبوننـي؟ والـمناحبة: الـمـجاعلة، قالوا: نعم، فناحبهم أبو بكر، فجعل السنـين أربعاً أو خمساً، ثم جاء إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: