الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: لن تدركوا أيها الـمؤمنون البرّ، وهو البرّ من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبـادتهم له، ويرجونه منه، وذلك تفضله علـيهم بإدخاله جنته، وصرف عذابه عنهم ولذلك قال كثـير من أهل التأويـل: البرّ: الـجنة، لأن برّ الربّ بعبده فـي الآخرة وإكرامه إياه بإدخاله الـجنة. ذكر من قال ذلك. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون فـي قوله: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } قال: الـجنة. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحمانـي، قال: ثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون فـي قوله: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } قال: البرّ: الـجنة. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } أما البرّ. فـالـجنة. فتأويـل الكلام: لن تنالوا أيها الـمؤمنون جنة ربكم، حتـى تنفقوا مـما تـحبون، يقول: حتـى تتصدّقوا مـما تـحبون وتهوون أن يكون لكم من نفـيس أموالكم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } يقول: لن تنالوا برّ ربكم حتـى تنفقوا مـما يعجبكم ومـما تههون من أموالكم. حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر، عن عبـاد، عن الـحسن، قوله: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قال: من الـمال. وأما قوله: { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } فإنه يعنـي به: ومهما تنفقوا من شيء فتتصدّقوا به من أموالكم، فإن الله تعالـى ذكره بـما يتصدّق به الـمتصدّق منكم، فـينفقه مـما يحبّ من ماله فـي سبـيـل الله، وغير ذلك علـيـم، يقول: هو ذو علـم بذلك كله، لا يعزب عنه شيء منه حتـى يجازى صاحبه علـيه جزاءه فـي الآخرة. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } يقول: مـحفوظ لكم ذلك الله به علـيـم شاكر له. وبنـحو التأويـل الذي قلنا تأوّل هذه الآية جماعة من الصحابة والتابعين. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قال: كتب عمر بن الـخطاب إلـى أبـي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من جلولاء يوم فتـحت مدائن كسرى فـي قتال سعد بن أبـي وقاص، فدعا بها عمر بن الـخطاب، فقال: إن الله يقول: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فأعتقها عمر. وهي مثل قول الله عزّ وجلّ:

السابقالتالي
2