الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إن الذين يستبدلون بتركهم عهد الله الذي عهد إلـيهم، ووصيته التـي أوصاهم بها فـي الكتب التـي أنزلها الله إلـى أنبـيائه بـاتبـاع مـحمد وتصديقه، والإقرار به، وما جاء به من عند الله وبأيـمانهم الكاذبة التـي يستـحلون بها ما حرّم الله علـيهم من أموال الناس التـي اؤتـمنوا علـيها ثمناً، يعنـي عوضاً وبدلاً خسيساً من عرض الدنـيا وحطامها. { أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلاْخِرَةِ } يقول: فإن الذين يفعلون ذلك لا حظّ لهم فـي خيرات الآخرة، ولا نصيب لهم من نعيـم الـجنة، وما أعدّ الله لأهلها فـيها. دون غيرهم. وقد بـينا اختلاف أهل التأويـل فـيـما مضى فـي معنى الـخلاق، ودللنا علـى أولـى أقوالهم فـي ذلك بـالصواب بـما فـيه الكفـاية. وأما قوله: { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } فإنه يعنـي: ولا يكلـمهم الله بـما يسرّهم ولا ينظر إلـيهم، يقول: ولا يعطف علـيهم بخير مقتاً من الله لهم كقول القائل لآخر: انظر إلـيّ نظر الله إلـيك، بـمعنى:تعطف علـيّ تعطف الله علـيك بخير ورحمة، وكما يقال للرجل: لا سمع الله لك دعاءك، يراد: لا استـجاب الله لك، والله لا يخفـى علـيه خافـية، وكما قال الشاعر:
دَعَوْتُ اللَّهَ حتـى خِفْتُ أنْ لا   يَكُونَ اللَّهُ يَسْمَعُ ما أقُولُ
وقوله { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } يعنـي: ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعنـي: ولهم عذاب موجع. واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية، ومن عنـي بها؟ فقال بعضهم: نزلت فـي أحبـار من أحبـار الـيهود. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: نزلت هذه الآية: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } فـي أبـي رافع وكنانة بن أبـي الـحقـيق وكعب بن الأشرف وحيـي بن أخطب. وقال آخرون: بل نزلت فـي الأشعث بن قـيس وخصم له. ذكر من قال ذلك: حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَلَفَ عَلَـى يَـمِينٍ هُوَ فِـيها فـاجِرٌ لِـيَقْتَطِعَ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِـمٍ، لَقِـيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَـيْهِ غَضْبـانُ " فقال الأشعث بن قـيس: فـيّ والله كان ذلك، كان بيني وبـين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " { «ألَكَ بَيِّنَةً»؟ } قلت: لا، فقال للـيهوديّ: «احْلِفْ»! } قلت: يا رسول الله إذَنْ يحلف فـيذهب مالـي، فأنزل الله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } "

السابقالتالي
2 3