الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه: إن هذا الذي أنبأتك به يا محمد من أمر عيسى، فقصصته عليك من أنبائه، وأنه عبدي ورسولي، وكلمتي ألقيتها إلـى مريـم، وروح مني، { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ } والنبأ { ٱلْحَقُّ } فـاعلـم ذلك، واعلـم أنه لـيس للـخـلق معبود يستوجب علـيهم العبـادة بـملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده وهو الله العزيز الـحكيـم. ويعنـي بقوله { ٱلْعَزِيزُ }: العزيز فـي انتقامه مـمن عصاه، وخالف أمره، وادّعى معه إلهاً غيره، أو عبد ربـاً سواه، { ٱلْحَكِيمُ } فـي تدبـيره، لا يدخـل ما دبره وهْن ولا يـلـحقه خـلل. { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعنـي فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك فـي عيسى عما جاءك من الـحقّ من عند ربك فـي عيسى وغيره، من سائر ما آتاك الله من الهدى والبـيان، فأعرضوا عنه، ولـم يقبلوه { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } ، يقول: فإن الله ذو علـم بـالذين يعصون ربهم، ويعملون فـي أرضه وبلاده بـما نهاهم عنه، وذلك هو إفسادهم، يقول تعالـى ذكره: فهو عالـم بهم وبأعمالهم، يحصيها علـيهم ويحفظها حتـى يجازيهم علـيها جزاءهم. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } أي إن هذا الذي جئت به من الـخبر عن عيسى، لهو القصص الـحقّ من أمره. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ }. إن هذا الذي قلنا فـي عيسى لهو القصص الـحقّ. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } قال: إن هذا القصص الـحقّ فـي عيسى، ما ينبغي لعيسى أن يتعدّى هذا، ولا يجاوز أن يتعدى أن يكون كلـمة الله ألقاها إلـى مريـم وروحاً منه وعبد الله ورسوله. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ }: إن هذا الذي قلنا فـي عيسى هو الـحقّ { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ }... الآية. فلـما فصل جل ثناؤه بـين نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم وبـين الوفد من نصارى نـجران بـالقضاء الفـاصل والـحكم العادل أمره ـ إن هم تولوا عما دعاهم إلـيه من الإقرار بوحدانـية الله، وأنه لا ولد له ولا صاحبة، وأن عيسى عبده ورسوله وأبوا إلا الـجدل والـخصومة ـ أن يدعوهم إلـى الـملاعنة، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلـما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم انـخذلوا، فـامتنعوا من الـملاعنة ودعوا إلـى الـمصالـحة، كالذي.

السابقالتالي
2 3 4