الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

يعنـي بذلك جل ثناؤه: ومكر الله بـالقوم الذين حاولوا قتل عيسى مع كفرهم بـالله، وتكذيبهم عيسى فـيـما أتاهم به من عند ربهم، إذ قال الله جل ثناؤه: { إِنّي مُتَوَفّيكَ } فـ«إذْ» صلة من قوله: { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } يعنـي: ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: { إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ } فتوفـاه ورفعه إلـيه. ثم اختلف أهل التأويـل فـي معنى الوفـاة التـي ذكرها الله عزّ وجلّ فـي هذه الآية، فقال بعضهم: هي وفـاة نوم، وكان معنى الكلام علـى مذهبهم: إنـي مُنِـيـمُك، ورافعك فـي نومك. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: { إِنّي مُتَوَفِّيكَ } قال: يعني وفـاة الـمنام: رفعه الله فـي منامه. قال الـحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للـيهود: " إِنَّ عِيسَى لَـمْ يَـمُتْ، وَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَـيْكُمْ قَبْلَ يَوْمِ القِـيامَةِ " وقال آخرون: معنى ذلك: إنـي قابضك من الأرض، فرافعك إلـيّ، قالوا: ومعنى الوفـاة: القبض، لما يقال: توفـيت من فلان ما لـي علـيه، بـمعنى: قبضته واستوفـيته. قالوا: فمعنى قوله: { إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ }: أي قابضك من الأرض حياً إلـى جواري، وآخذك إلـى ما عندي بغير موت، ورافعك من بـين الـمشركين وأهل الكفر بك. ذكر من قال ذلك: حدثنا علـيّ بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربـيعة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق فـي قول الله: { إِنّي مُتَوَفّيكَ } قال: متوفـيك من الدنـيا، ولـيس بوفـاة موت. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن فـي قوله: { إِنّي مُتَوَفّيكَ } قال: متوفـيك من الأرض. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: { إِنّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال: فرفعه إياه إلـيه، توفـيه إياه، وتطهيره من الذين كفروا. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح أن كعب الأحبـار، قال: ما كان الله عزّ وجلّ لـيـميت عيسى ابن مريـم، إنـما بعثه الله داعياً ومبشراً يدعو إلـيه وحده، فلـما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذّبه، شكا ذلك إلـى الله عزّ وجلّ، فأوحى الله إلـيه: { إِنّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ } ولـيس من رفعته عندي ميتاً، وإنـي سأبعثك علـى الأعور الدجال، فتقتله، ثم تعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة، ثم أميتك ميتة الـحيّ. قال كعب الأحبـار: وذلك يصدّق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " كيفَ تَهلِكُ أمةٌ أنَا فِـي أوَّلهَا، وَعِيسَى فِـي آخِرِهَا؟ " حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: يا عيسى إنـي متوفـيك: أي قابضك.

السابقالتالي
2 3 4