الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ }

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ } وما كنت لديهم إذ يختصمون، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الـملائكة: يا مريـم إن الله يبشرك. والتبشير: إخبـار الـمرء بـما يسرّه من خبر. وقوله: { بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } يعنـي: برسالة من الله، وخبر من عنده، وهو من قول القائل: ألقـى فلان إلـيّ كلـمة سرّنـي بها، بـمعنى: أخبرنـي خبراً فرحت به، كما قال جلّ ثناؤه:وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } [النساء: 171] يعنـي بشرى الله مريـم بعيسى ألقاها إلـيها. فتأويـل الكلام: وما كنت يا مـحمد عند القوم إذ قالت الـملائكة لـمريـم: يا مريـم إن الله يبشرك ببشرى من عنده، هي ولد لك، اسمه الـمسيح عيسى ابن مريـم. وقد قال قوم، وهو قول قتادة: إن الكلـمة التـي قال الله عزّ وجلّ بكلـمة منه، هو قوله: «كن». حدثنا بذلك الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: { بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } قال: قوله: «كن». فسماه الله عزّ وجلّ كلـمته، لأنه كان عن كلـمته، كما يقال لـما قدر الله من شيء: هذا قدر الله وقضاؤه، يعنـي به: هذا عن قدر الله وقضائه حدث، وكما قال جلّ ثناؤه: { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } يعنـي به: ما أمر الله به، وهو الـمأمور الذي كان عن أمر الله عزّ وجلّ. وقال آخرون: بل هي اسم لعيسى سماه الله بها كما سمى سائر خـلقه بـما شاء من الأسماء. ورُوي عن ابن عبـاس رضي الله عنه أنه قال: الكلـمة: هي عيسى. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } قال: عيسى هو الكلـمة من الله. وأقرب الوجوه إلـى الصواب عندي القول الأول: وهو أن الـملائكة بشرت مريـم بعيسى عن الله عزّ وجلّ برسالته وكلـمته التـي أمرها أن تلقـيها إلـيها، أن الله خالق منها ولداً من غير بعل ولا فحل، ولذلك قال عزّ وجلّ: { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ } فذكَّر، ولـم يقل اسمها فـيؤنث، والكلـمة مؤنثة، لأن الكلـمة غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بـمعنى فلان، وإنـما هي بـمعنى البشارة، فذكرت كنايتها، كما تذكر كناية الذرّية والدابة والألقاب، علـى ما قد بـيناه قبل فـيـما مضى. فتأويـل ذلك كما قلنا آنفـا، من أن معنى ذلك: إن الله يبشركِ ببشرى، ثم بـين عن البشرى، أنها ولد اسمه الـمسيح. وقد زعم بعض نـحويـي البصرة، أنه إنـما ذكّر فقال: { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ } ، وقد قال: { بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } والكلـمة عنده: هي عيسى، لأنه فـي الـمعنى كذلك، كما قال جلّ ثناؤه:

السابقالتالي
2 3