الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } فلـما وضعت حنة النذيرة، ولذلك أنث. ولو كانت الهاء عائدة علـى «ما» التـي فـي قوله: { إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } لكان الكلام: فلـما وضعته قالت: ربِّ إنـي وضعته أنثى. ومعنى قوله: { وَضَعْتُهَا } ولدتها، يقال منه: وضعت الـمرأة تضع وضعاً. { قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ } أي ولدت النذيرة أنثى { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ }. واختلف القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة القراء: { وَضَعَتْ } خبراً من الله عزّ وجلّ عن نفسه أنه العالـم بـما وضعت من غير قـيـلها: { رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ }. وقرأ ذلك بعض الـمتقدمين: «وَاللَّهُ أعْلَـمُ بِـمَا وَضَعْتُ» علـى وجه الـخبر بذلك عن أمّ مريـم أنها هي القائلة، والله أعلـم بـما ولدتُ منـي. وأولـى القراءتـين بـالصواب ما نقلته الـحجة مستفـيضة فـيها قراءته بـينها لا يتدافعون صحتها، وذلك قراءة من قرأ: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } ولا يعترض بـالشاذ عنها علـيها. فتأويـل الكلام إذاً: والله أعلـم من كل خـلقه بـما وضعت. ثم رجع جلّ ذكره إلـى الـخبر عن قولها، وأنها قالت اعتذارا إلـى ربها مـما كانت نذرت فـي حملها فحرّرته لـخدمة ربها: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ } لأن الذكر أقوى علـى الـخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلـح فـي بعض الأحوال لدخول القدْس والقـيام بخدمة الكنـيسة لـما يعتريها من الـحيض والنفـاس { وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ }. كما: حدثنـي ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ } أي لـما جعلتها له مـحرّرة نذيرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ } لأن الذكر هو أقوى علـى ذلك من الأنثى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ } كانت الـمرأة لا تستطيع أن يصنع بها ذلك، يعنـي أن تـحرَّر للكنـيسة فتـجعل فـيها تقوم علـيها وتكنسها فلا تبرحها مـما يصيبها من الـحيض والأذى، فعند ذلك قالت: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ }. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ } وإنـما كانوا يحررون الغلـمان، قال: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ }. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: كانت امرأة عمران حررت لله ما فـي بطنها، وكانت علـى رجاء أن يهب لها غلاماً، لأن الـمرأة لا تستطيع ذلك ـ يعنـي القـيام علـى الكنـيسة لا تبرحها وتكنسها ـ لـما يصيبها من الأذى.

السابقالتالي
2 3 4