الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

أما تأويـل قوله { قُلِ اللَّهُمَّ } فإنه قل يا مـحمد: يا الله. واختلف أهل العربـية فـي نصب ميـم { اللَّهُمَّ } وهو منادى، وحكم الـمنادى الـمفرد غير الـمضاف الرفع، وفـي دخول الـميـم فـيه، وهو فـي الأصل «الله» بغير ميـم. فقال بعضهم: إنـما زيدت فـيه الـميـمان لأنه لا ينادى بـ«يا» كما ينادى الأسماء التـي لا ألف فـيها، وذلك أن الأسماء التـي لا ألف ولا لام فـيها تنادى بـ«يا»، كقول القائل: يا زيد ويا عمرو، قال: فجعلت الـميـم فـيه خـلفـا من «يا»، كما قالوا: فم ودم وهم وزُرْقُم وسُتْهُم، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التـي يحذف منها الـحرف، ثم يبدل مكانه ميـم، قال: فكذلك حذفت من اللهم «يا» التـي ينادى بها الأسماء التـي علـى ما وصفنا، وجعلت الـميـم خـلفـاً منها فـي آخر الاسم. وأنكر ذلك من قولهم آخرون، وقالوا: قد سمعنا العرب تنادي: اللهمّ بـ«يا»، كما تناديه، ولا ميـم فـيه. قالوا: فلو كان الذي قال هذا القول مصيبـاً فـي دعواه لـم تدخـل العرب «يا»، وقد جاءوا بـالـخـلف منها. وأنشدوا فـي ذلك سماعا من العرب:
وَما عَلَـيْكِ أنْ تَقُولـي كُلَّـما   صَلَّـيْتِ أوْ كَبَّرْتِ يا اللَّهُمَّ
ارْدُدْ إلـينا شَيْخَنَا مُسَلَّـما   
ويروى: «سبحت أو كبرت». قالوا: ولـم نر العرب زادت مثل هذه الـميـم إلا مخففة فـي نواقص الأسماء مثل فم ودم وهم قالوا: ونـحن نرى أنها كلـمة ضمّ إلـيها «أمَّ» بـمعنى «يا الله أمّنا بخير»، فكثرت فـي الكلام فـاختلطت به. قالوا: فـالضمة التـي فـي الهاء من همزة «أم» لـما تركت انتقلت إلـى ما قبلها. قالوا: ونرى أن قول العرب هلـمّ إلـينا مثلها، إنـما كان هلـمّ «هل» ضمّ إلـيها «أمّ» فتركت علـى نصبها. قالوا: ومن العرب من يقول إذا طرح الـميـم: يا ألله اغفر لـي»، و«يا الله اغفر لـي»، بهمز الألف من الله مرّة، ووصلها أخرى، فمن حذفها أجراها علـى أصلها لأنها ألف ولام، مثل الألف واللام اللتـين يدخلان فـي الأسماء الـمعارف زائدتـين. ومن همزها توهم أنها من الـحرف، إذ كانت لا تسقط منه. وأنشدوا فـي همز الألف منها:
مُبـارَكٌ هُوَ وَمَنْ سَمَّاهُ   علـى اسمكَ اللَّهُمَّ يا أللَّهُ
قالوا: وقد كثرت اللهمّ فـي الكلام حتـى خففت ميـمها فـي بعض اللغات، وأنشدوا:
كحَلْفَةٍ مِنْ أبـي رِباحٍ   يَسْمَعُها اللَّهُمُ الكُبـارُ
والرواة تنشد ذلك: «يَسْمَعُـها لاهُهُ الكُبـارُ». وقد أنشده بعضهم: «يَسْمَعُهـا اللَّهُ والكُبـارُ». القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مَـالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ }. يعنـي بذلك: يا مالك الـملك، يا من له ملك الدنـيا والآخرة خالصا دون غيره. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير قوله: { قُلِ اللَّهُمَّ مَـالِكَ المُلْكِ } أي ربّ العبـاد الـملك لا يقضي فـيهم غيرك.

السابقالتالي
2