الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

يعنـي بذلك جل ثناؤه: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وشهدت الـملائكة، وأولو العلـم. فـالـملائكة معطوف بهم علـى اسم الله، و«أنه» مفتوحة بشهد. وكان بعض البصريـين يتأول قوله شهد الله: قضى الله، ويرفع «الـملائكة»، بـمعنى: والـملائكة شهود وأولو العلـم. وهكذا قرأت قراء أهل الإسلام بفتـح الألف من أنه علـى ما ذكرت من إعمال «شهد» فـي «أنه» الأولـى وكسر الألف من «إنّ» الثانـية وابتدائها، سوى أن بعض الـمتأخرين من أهل العربـية كان يقرأ ذلك جميعا بفتـح ألفـيهما، بـمعنى: شهد الله أنه لا إلٰه إلا هو، وأن الدين عند الله الإسلام، فعطف بأنّ الدين علـى «أنه» الأولـى، ثم حذف واو العطف وهي مرادة فـي الكلام. واحتـج فـي ذلك بأن ابن عبـاس قرأ ذلك: «شَهِدَ اللَّهُ إنَّهُ لا إلٰهَ إلاَّ هُوَ»... الآية، ثم قال:إِنَّ ٱلدِّينَ } [آل عمران: 19] بكسر «إن» الأولـى وفتـح «أنّ» الثانـية بإعمال «شهد» فـيها، وجعل «أن» الأولـى اعتراضا فـي الكلام غير عامل فـيها «شهد» وأن ابن مسعود قرأ: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } بفتـح «أنّ»، وكسر «إنّ» من:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19] علـى معنى إعمال الشهادة فـي «أن» الأولـى و«أنَّ» الثانـية مبتدأة، فزعم أنه أراد بقراءته إياهما بـالفتـح جمع قراءة ابن عبـاس وابن مسعود. فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك علـى ما وصفت جميع قراء أهل الإسلام الـمتقدمين منهم والـمتأخرين، بدعوى تأويـل علـى ابن عبـاس وابن مسعود زعم أنهما قالاه وقرآ به، وغير معلوم ما ادعى علـيهما برواية صحيحة، ولا سقـيـمة. وكفـى شاهدا علـى خطإ قراءته خروجها من قراءة أهل الإسلام. فـالصواب إذ كان الأمر علـى ما وصفنا من قراءة ذلك فتـح الألف من «أنه» الأولـى، وكسر الألف من «إنَّ» الثانـية، أعنـي من قوله:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19] ابتداء. وقد رُوي عن السدي فـي تأويـل ذلك قول كالدّال علـى تصحيح ما قرأ به فـي ذلك من ذكرنا قوله من أهل العربـية فـي فتـح «أن» من قوله:إِنَّ ٱلدِّينَ } [آل عمران: 19] وهو ما: حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط عن السدي: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَالملائِكَةُ } إلـى: { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } فإن الله يشهد هو والـملائكة والعلـماء من الناس أن الدين عند الله الإسلام. فهذا التأويـل يدل علـى أن الشهادة إنـما هي عامة فـي «أن» الثانـية التـي فـي قوله: { إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلام } فعلـى هذا التأويـل جائز فـي «أن» الأولـى وجهان من التأويـل: أحدهما أن تكون الأولـى منصوبة علـى وجه الشرط، بـمعنى: شهد الله بأنه واحد، فتكون مفتوحة بـمعنى الـخفض فـي مذهب بعض أهل العربـية، وبـمعنى النصب فـي مذهب بعضهم، والشهادة عاملة فـي «أنّ» الثانـية، كأنك قلت: شهد الله أن الدين عند الله الإسلام، لأنه واحد، ثم تقدم «لأنه واحد» فتفتـحها علـى ذلك التأويـل.

السابقالتالي
2 3