الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

يعنـي بقوله: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ما كان الله لـيدع الـمؤمنـين علـى ما أنتـم علـيه من التبـاس الـمؤمن منكم بـالـمنافق، فلا يعرف هذا من هذا { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } يعنـي بذلك: حتـى يـميز الـخبـيث، وهو الـمنافق الـمستسر للكفر، من الطيب، وهو الـمؤمن الـمخـلص الصادق الإيـمان بـالـمـحن والاختبـار، كما ميز بـينهم يوم أُحد عند لقاء العدو عند خروجهم إلـيه. واختلف أهل التأويـل فـي الـخبـيث الذي عنى الله بهذه الآية، فقال بعضهم فـيه مثل قولنا. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } قال: ميز بـينهم يوم أُحد، الـمنافق من الـمؤمن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } قال ابن جريج: يقول: لـيبـين الصادق بإيـمانه من الكاذب. قال: ابن جريج: قال مـجاهد: يوم أُحد ميز بعضهم عن بعض، الـمنافق عن الـمؤمن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ }: أي الـمنافق. وقال آخرون: معنى ذلك: حتـى يـميز الـمؤمن من الكافر بـالهجرة والـجهاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } يعنـي: الكفـار. يقول: لـم يكن الله لـيدع الـمؤمنـين علـى ما أنتـم علـيه من الضلالة، { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ }: يـميز بـينهم فـي الـجهاد والهجرة. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } قال: حتـى يـميز الفـاجر من الـمؤمن. حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } قالوا: إن كان مـحمد صادقاً فلـيخبرنا بـمن يؤمن بـالله ومن يكفر! فأنزل الله: { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ }: حتـى يخرج الـمؤمن من الكافر. والتأويـل الأوّل أولـى بتأويـل الآية، لأن الآيات قبلها فـي ذكر الـمنافقـين وهذه فـي سياقتها، فكونها بأن تكون فـيهم أشبه منها بأن تكون فـي غيرهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَمَا كَانَ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء }.

السابقالتالي
2