الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولقد عفـا عنكم أيها الـمؤمنون إذ لـم يستأصلكم، إهلاكاً منه جمعكم بذنوبكم، وهربكم { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ }. واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه عامة قراء الـحجاز والعراق والشام سوى الـحسن البصري: { إِذْ تُصْعِدُونَ } بضمّ التاء وكسر العين، وبه القراءة عندنا لإجماع الـحجة من القراء علـى القراءة به، واستنكارهم ما خالفه. ورُوي عن الـحسن البصري أنه كان يقرؤه: «إذْ تَصْعَدُونَ» بفتـح التاء والعين. حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن يونس بن عبـيد، عن الـحسن. فأما الذين قرؤوا: { تُصْعِدُونَ } بضم التاء وكسر العين، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلـى أن القوم حين انهزموا عن عدوّهم أخذوا فـي الوادي هاربـين. وذكروا أن ذلك فـي قراءة أبـيّ: «إذْ تُصْعِدون فـي الوادي». حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبـيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون. قالوا: الهرب فـي مستوى الأرض، وبطون الأودية والشعاب، إصعاد لا صعود، قالوا وإنـما يكون الصعود علـى الـجبـال والسلالـيـم والدَّرَج، لأن معنى الصعود: الارتقاء والارتفـاع علـى الشيء علوًّا. قالوا: فأما الأخذ فـي مستوى الأرض الهبوط، فإنـما هو إصعاد، كما يقال: أصعدنا من مكة، إذا ابتدأت فـي السفر منها والـخروج، وأصعدنا من الكوفة إلـى خراسان، بـمعنى خرجنا منها سفراً إلـيها، وابتدأنا منها الـخروج إلـيها. قالوا: وإنـما جاء تأويـل أكثر أهل التأويـل بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوّهم فـي بطن الوادي. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } ذاكم يوم أُحد أصعدوا فـي الوادي فراراً، ونبـيّ الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم فـي أخراهم، قال: " إلـيَّ عِبـادَ اللّهِ، إلـيَّ عبـادَ اللّهِ " وأما الـحسن فإنـي أراه ذهب فـي قراءته: «إذْ تَصْعَدُونَ» بفتـح التاء والعين إلـى أن القوم حين انهزموا عن الـمشركين صَعِدوا الـجبل. وقد قال ذلك عدد من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي، قال: لـما شدّ الـمشركون علـى الـمسلـمين بـأُحد فهزموهم، دخـل بعضهم الـمدينة، وانطلق بعضهم فوق الـجبل إلـى الصخرة، فقاموا علـيها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: " إلـيَّ عِبَـادَ اللّهِ، إلـيَّ عِبـادَ اللّه! " فذكر الله صعودهم علـى الـجبل، ثم ذكر دعاء نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم إياهم، فقال: { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ }. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: انـحازوا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يصعدون فـي الـجبل، والرسول يدعوهم فـي أخراهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7