الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

يعني بقوله جلّ ثناؤه: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً }: أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين، المنفقين في السرّاء والضرّاء، والذين إذا فعلوا فاحشة وجميع هذه النعوت من صفة المتقين الذين قال تعالـى ذكره:وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]. كما: حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان، عن ثابت البنانـي، قال: سمعت الـحسن قرأ هذه الآية:ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 134]، ثم قرأ: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ }... إلـى { أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } فقال: إن هذين النعتـين لنعت رجل واحد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } قال: هذان ذنبـان: الفـاحشة ذنب، وظلـموا أنفسهم ذنب. وأما الفـاحشة فهي صفة لـمتروك، ومعنى الكلام: والذين إذا فعلوا فعلة فـاحشة. ومعنى الفـاحشة: الفعلة القبـيحة الـخارجة عما أذن الله عزّ وجلّ فـيه. وأصل الفحش القبح والـخروج عن الـحدّ والـمقدار فـي كل شيء، ومنه قـيـل للطويـل الـمفرط الطول: إنه لفـاحش الطول، يراد به: قبـيح الطول، خارج عن الـمقدار الـمستـحسن ومنه قـيـل للكلام القبـيح غير القصد: كلام فـاحش، وقـيـل للـمتكلـم به: أفحش فـي كلامه: إذا نطق بفحش. وقـيـل: إن الفـاحشة فـي هذا الـموضع معنّـي بها الزنا. ذكر من قال ذلك: حدثنا العبـاس بن عبد العظيـم، قال: ثنا حبـان، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن جابر: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } قال: زنى القوم وربّ الكعبة. حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } أما الفـاحشة: فـالزنا. وقوله: { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } يعنـي به: فعلوا بأنفسهم غير الذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها. والذي فعلوا من ذلك ركوبهم من معصية الله ما أوجبوا لها به عقوبته. كما حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قوله: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } قال: الظلـم من الفـاحشة، والفـاحشة من الظلـم. وقوله: { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } يعنـي بذلك ذكروا وعيد الله علـى ما أتوا من معصيتهم إياه. { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } يقول: فسألوا ربهم أن يستر علـيهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة علـيها. { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } يقول: وهل يغفر الذنوب: أي يعفو عن راكبها فـيسترها علـيه إلا الله؟ { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } يقول: ولـم يقـيـموا علـى ذنوبهم التـي أتوها، ومعصيتهم التـي ركبوها { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يقول: لـم يقـيـموا علـى ذنوبهم عامدين للـمقام علـيها، وهم يعلـمون أن الله قد تقدّم بـالنهي عنها، وأوعد علـيها العقوبة، من ركبها.

السابقالتالي
2 3 4