الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { وَسَارِعُواْ } وبـادروا وسابقوا إلـى مغفرة من ربكم، يعنـي: إلـى ما يستر علـيكم ذنوبكم من رحمته، وما يغطيها علـيكم من عفوه عن عقوبتكم علـيها { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعنى سارعوا أيضاً إلـى جنة عرضها السموات والأرض، ذكر أن معنى ذلك: وجنة عرضها كعرض السموات السبع، والأرضين السبع، إذا ضمّ بعضها إلـى بعض. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قال: قال ابن عبـاس: تقرن السموات السبع والأرضون السبع، كما تقرن الثـياب بعضها إلـى بعض، فذاك عرض الـجنة. وإنـما قـيـل: { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فوصف عرضها بـالسموات والأرضين، والـمعنى ما وصفنا من وصف عرضها بعرض السموات والأرض، تشبـيهاً به فـي السعة والعظم، كما قـيـل:مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وٰحِدَةٍ } [لقمان: 28] يعنـي إلا كبعث نفس واحدة، وكما قال الشاعر:
كأنَّ عَذِيرَهُمْ بجَنُوبِ سِلَّـى   نَعامٌ قَاقَ فَـي بَلَدٍ قِـفـارِ
أي عذير نعام، وكما قال الآخر:
حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتـي عَناقاً   وَما هِيَ وَيْبَ غَيْرِكَ بـالْعَناقِ
يريد صوت عناق. وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقـيـل له: هذه الـجنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال: " هَذَا النَّهارُ إذَا جَاءَ، أيْنَ اللَّـيْـلُ؟ " ذكر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مسلـم بن خالد، عن ابن خثـيـم، عن سعيد بن أبـي راشد، عن يعلـى بن مرة، قال: لقـيت التنوخيّ رسول هرقل إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص شيخاً كبـيراً قد أقعد، قال: قدمت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلاً عن يساره، قال: قلت من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية، فإذا هو: إنك كتبت تدعونـي إلـى جنة عرضها السموات والأرض أعدّت للـمتقـين، فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سُبْحانَ اللَّهِ، فأيْنَ اللَّـيْـلُ إذَا جاءَ النَّهارُ؟ " حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب: أن ناساً من الـيهود سألوا عمر بن الـخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض، أين النار؟ قال: «أرأيتـم إذا جاء اللـيـل أين يكون النهار؟» فقالوا: اللهمّ نزعْتَ مثله من التوراة. حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب: أن عمر أتاه ثلاثة نفر من أهل نـجران، فسألوه وعنده أصحابه، فقالوا: أرأيت قوله: { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فأين النار؟ فأحجم الناس، فقال عمر: «أرأيتـم إذا جاء اللـيـل، أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار، أين يكون اللـيـل؟» فقالوا: نزعت مثلها من التوراة.

السابقالتالي
2