الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل خـلـيـله إبراهيـم لقومه: إنـما تعبدون أيها القوم من دون الله أوثاناً، يعنـي مُثُلاً. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله { إنَّـمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أوْثاناً } أصناماً. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: { وتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } فقال بعضهم: معناه: وتصنعون كذبـاً. ذكر من قال ذلك: حدثنا علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } يقول: تصنعون كذبـاً. وقال آخرون: وتقولون كذبـاً. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس { وتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } يقول: وتقولون إفكاً. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } يقول: تقولون كذبـاً. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتنـحِتون إفكاً. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس، قوله { وتَـخْـلُقونَ إفْكاً } قال: تنـحِتون تصوّرون إفكاً. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } أي تصنعون أصناماً. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } الأوثان التـي ينـحِتونها بأيديهم. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: وتصنعون كذبـاً. وقد بـيَّنا معنى الـخـلق فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. فتأويـل الكلام إذن: إنـما تعبدون من دون الله أوثاناً، وتصنعون كذبـاً وبـاطلاً. وإنـما فـي قوله: { إفْكاً } مردود علـى إنـما، كقول القائل: إنـما تفعلون كذا، وإنـما تفعلون كذا. وقرأ جميع قرّاء الأمصار: { وتَـخْـلُقُونَ إفْكاً } بتـخفـيف الـخاء من قوله: { وتَـخْـلُقُونَ } وضمّ اللام: من الـخَـلْق. وذُكر عن أبـي عبد الرحمن السُلـميّ أنه قرأ: { وتُـخَـلِّقونَ إفْكاً } بفتـح الـخاء وتشديد اللام من التـخـلـيق. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. وقوله: { إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَـمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } يقول جلّ ثناؤه: إن أوثانكم التـي تعبدونها، لا تقدر أن ترزقكم شيئا { فـابتغُوا عندَ اللّهِ الرِّزْقَ } يقول: فـالتـمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم، تدركوا ما تبتغون من ذلك { وَاعْبُدُوهُ } يقول: وذلوا له { وَاشْكُرُوا لَهُ } علـى رزقه إياكم، ونعمه التـي أنعمها علـيكم. يقال: شكرته وشكرتُ له، والثانـية أفصح من شكرته. وقوله: { إلَـيْهِ تُرْجَعُونَ } يقول: إلـى الله تُرَدّون من بعد مـماتكم، فـيسألكم عما أنتـم علـيه من عبـادتكم غيره وأنتـم عبـاده وخـلقه، وفـي نعمه تتقلَّبون، ورزقه تأكلون.