الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ }

يقول تعالـى ذكره: فـالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه وأصله من اللقطة، وهو ما وُجد ضالاً فأخذ. والعرب تقول لـما وردت علـيه فجأة من غير طلب له ولا إرادة: أصبته التقاطاً، ولقـيت فلاناً التقاطاً ومنه قول الراجز:
وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقاطا   لَـمْ أَلْقَ إذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطا
يعنـي فجأة. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: { آلُ فِرْعَوْنَ } فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون. ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أقبل الـموج بـالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى، حتـى أدخـله بـين أشجار عند بـيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن، فوجدن التابوت، فأدخـلنه إلـى آسية، وظننّ أن فـيه مالاً فلـما نظرت إلـيه آسية، وقعت علـيها رحمته فأحبته فلـما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلـم تزل آسية تكلـمه حتـى تركه لها، قال: إنـي أخاف أن يكون هذا بنـي إسرائيـل، وأن يكون هذا الذي علـى يديه هلاكنا، فذلك قول الله: { فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً }. وقال آخرون: بل عنى به ابنة فرعون. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن قـيس، قال: كانت بنت فرعون برصاء، فجاءت إلـى النـيـل، فإذا التابوت فـي النـيـل تـخفقه الأمواج، فأخذته بنت فرعون، فلـما فتـحت التابوت، فإذا هي بصبـيّ، فلـما اطلعت فـي وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلـى أمها، فقالت: إن هذا الصبـيّ مبـارك لـما نظرت إلـيه برئت، فقال فرعون: هذا من صبـيان من بنـي إسرائيـل، هلـمّ حتـى أقتله، فقالت:قُرَّةُ عَيْنٍ لِـي وَلَكَ، لا تَقْتُلُوُهُ } وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح فرعون فـي مـجلس له كان يجلسه علـى شفـير النـيـل كلّ غداة فبـينـما هو جالس، إذ مرّ النـيـل بـالتابوت يقذف به، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلـى جنبه، فقالت: إن هذا لشيء فـي البحر، فأتونـي به، فخرج إلـيه أعوانه، حتـى جاءوا به، ففتـح التابوت فإذا فـيه صبـيّ فـي مهده، فألقـى الله علـيه مـحبته، وعطف علـيه نفسه، قالت امرأته آسية:لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّـخِذَهُ وَلَداً } ولا قول فـي ذلك عندنا أولـى بـالصواب مـما قال الله عزّ وجلّ: { فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ } وقد بـيَّنا معنى الآل فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادته ههنا. وقوله: { لِـيَكونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } فـيقول القائل: لـيكون موسى لآل فرعون عدوّاً وحزَناً فـالتقطوه، فـيقال { فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } قـيـل: إنهم حين التقطوه لـم يـلتقطوه لذلك، بل لـما تقدّم ذكره.

السابقالتالي
2