الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

يقول تعالـى ذكره: نُودي موسى:أن يا موسى إنِّـي أنا اللّهُ ربُّ العَالَـمِين. وأنْ ألْقِ عَصَاكَ } فألقاها موسى، فصارت حية تسعى { فَلَـمَّا رآها } موسى { تَهْتَزُّ } يقول: تتـحرّك وتضطرب { كأنَّها جانّ } والـجانّ: واحد الـجِنَّان، وهي نوع معروف من أنواع الـحيات، وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جانّ من الـحيات { وَلَّـى مُدْبِراً } يقول: ولـى موسى هاربـا منها. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَلَّـى مُدْبِراً } فـاراً منهَا، { ولَـمْ يُعَقِّبْ } يقول: ولـم يرجع علـى عقبه. وقد ذكرنا الرواية فـي ذلك، وما قاله أهل التأويـل فـيـما مضى، فكرهنا إعادته، غير أنا نذكر فـي ذلك بعض ما لـم نذكره هنالك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { ولَـمْ يُعَقِّبْ } يقول: ولـم يعقب، أي لـم يـلتفت من الفرق. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { ولَـم يُعَقِّبْ } يقول: لـم ينتظر. وقوله: { يا مُوسَى أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ } يقول تعالـى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إلـيّ ولا تـخف من الذي تهرب منه { إنَّكَ مِنَ الآمِنِـينَ } من أن يضرّك، إنـما هو عصاك. وقوله: { اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ } يقول: أدخـل يدك. وفـيه لغتان: سلكته، وأسلكته { فِـي جَيْبِكَ } يقول: فـي جيب قميصك. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ }: أي فـي جيب قميصك. وقد بـيَّنا فـيـما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخـل يده فـي الـجيب دون الكمّ. وقوله: { تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ } يقول: تـخرج بـيضاء من غير برص. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا ابن الـمفضل، قال: ثنا قرة بن خالد، عن الـحسن، فـي قوله: { اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ } قال: فخرجت كأنها الـمصبـاح، فأيقن موسى أنه لقـي ربه. وقوله: { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ } يقول: واضمـم إلـيك يدك. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عبـاس { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ } قال: يدك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد { وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ } قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الـجناح. والكفّ: الـيد، { اضْمُـمْ يَدَكَ إلَـى جَنَاحِك تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ }. وقوله: { مِنَ الرَّهْبِ } يقول: من الـخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الـحية. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله { مِنَ الرَّهْبِ } قال: الفَرَق.

السابقالتالي
2