الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

يقول تعالـى ذكره: { قالَ } وموسى لأبـي الـمرأتـين { ذلكَ بَـيْنِـي وَبَـيْنَكَ } أي هذا الذي قلت من أنك تزوّجنـي أحدى ابنتـيك علـى أن آجرك ثمانـي حِجَج، واجب بـينـي وبـينك، علـى كل واحد منا الوفـاء لصاحبه بـما أوجب له علـى نفسه. وقوله: { أيَّـمَا الأجَلَـيْنِ قَضَيْتُ } يقول: أيّ الأجلـين من الثمانـي الـحجج والعشر الـحجج قضيت، يقول: فرغت منها فوفـيتكها رعى غنـمك وماشيتك { فَلا عُدْوَانَ عَلـيَّ } يقول: فلـيس لك أن تعتدي علـيّ، فتطالبنـي بأكثر منه، و«ما» فـي قوله: { أيَّـمَا الأجَلَـيْنِ } صلة يوصل بها أيّ علـى الدوام، وزعم أهل العربـية أن هذا أكثر فـي كلام العرب من أيّ، وأنشد قول الشاعر:
وأيُّهُما ما أتْبَعَنَّ فإنَّنِـي   حَرِيصٌ عَلـى أثْرِ الَّذِي أنا تابِعُ
وقال عبـاس بن مِرداس:
فَأَيِّـي ما وأيُّكَ كانَ شَرّا   فَقِـيدَ إلـى الـمَقامَةِ لا يَرَاها
وقوله: { وَاللّهُ عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ } كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبـي الـمرأتـين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال موسى { ذلكَ بَـيْنـي وبَـيْنَكَ أيَّـمَا الأَجَلَـيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلـيَّ } قال: نعم. { واللّهُ عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ } فزوّجه، وأقام معه يكفـيه، ويعمل له فـي رعاية غنـمه، وما يحتاج إلـيه منه، وزوجة موسى صفورا أو أختها: شرفـا أو لَـيّا. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال ابن عبـاس الـجارية التـي دعته هي التـي تزوّج. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال له { إنّـي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتـيَّ هاتَـيْنِ عَلـى أنْ تَأْجُرَنِـي... } إلـى آخر الآية، قال: وأيتهما تريد أن تنكحنـي؟ قال: التـي دعتك، قال: لا. ألا وهي بريئة مـما دخـل نفسك علـيها، فقال: هي عندك كذلك، فزوّجه. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: { أيَّـمَا الأَجَلَـيْنِ قَضَيْتُ } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: قالَ { ذلكَ بَـيْنِـي وَبَـيْنَكَ أيَّـمَا الأجَلَـيْنِ قَضَيْتُ } إما ثمانـيا، وإما عشرا. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن مـحمد، وسأله رجل قال { أيَّـمَا الأَجَلَـيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلـيَّ } قال: فقال القاسم: ما أبـالـي أيّ ذلك كان، إنـما هو موعد وقضاء. وقوله: { وَاللّهُ عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ } يقول: والله علـى ما أوجب كلّ واحد منا لصاحبه علـى نفسه بهذا القول، شهيد وحفـيظ. كالذي. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد { وَاللّهُ عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ } قال: شهيد علـى قول موسى وخَتَنه. وذكر أن موسى وصاحبه لـما تعاقدا بـينهما هذا العقد، أمر إحدى ابنتـيه أن تعطِيَ موسى عصا من العصيّ التـي تكون مع الرعاة، فأعطته إياه، فذكر بعضهم أنها العصا التـي جعلها الله له آية.

السابقالتالي
2