الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـله لـموسى: { إنَّهُ أنا اللَّهُ العَزِيزُ } فـي نقمته من أعدائه { الـحَكِيـمُ } فـي تدبـيره فـي خـلقه. والهاء التـي فـي قوله: { إنَّهُ } هاء عماد، وهو اسم لا يظهر فـي قول بعض أهل العربـية. وقال بعض نـحويـي الكوفة: يقول هي الهاء الـمـجهولة، ومعناها: أن الأمر والشأن: أنا الله، وقوله: { وألْقِ عَصَاكَ فَلَـمَّا رآهَا تَهْتَزُّ } فـي الكلام مـحذوف تُرك ذكره، استغناء بـما ذُكِر عما حُذف، وهو: فألقاها فصارت حية تهتز { فَلَـمَّا رآها تَهْتَزُّ كأنّها جانّ } يقول: كأنها حية عظيـمة، والـجانّ: جنس من الـحيات معروف. وقال ابن جُرَيْج فـي ذلك ما. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج: { وألْقِ عَصَاكَ فَلَـمَّا رآها تَهْتَزُّ كأنَّها جانّ } قال: حين تـحوّلت حية تسعى، وهذا الـجنس من الـحيات عنـي الراجز بقوله:
يَرْفَعْنَ بـاللَّـيْـلِ إذَا ما أسْدَفـا   أعْناقَ جِنَّانٍ وَهاما رُجَّفَـا
وَعَنَقا بَعْدَ الرَّسِيـم خَيْطَفَـا   
وقوله: { وَلَّـى مُدْبراً } يقول تعالـى ذكره: ولـى موسى هاربـاً خوفـا منها { ولَـمْ يُعَقِّبْ } يقول: ولـم يرجع من قولهم: عقب فلان: إذا رجع علـى عقبه إلـى حيث بدأ. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { ولَـمْ يُعَقِّبْ } قال: لـم يرجع. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله. قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان عن معمر، عن قتادة، قال: لـم يـلتفت. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { ولَـمْ يُعَقِّبْ } قال: لـم يرجع { يَا مُوسَى } قال: لـما ألقـى العصا صارت حية، فرعب منها وجزع، فقال الله: { إنّـي لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ } قال: فلـم يرعو لذلك، قال: فقال الله له:أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِـينَ } قال: فلـم يقـف أيضا علـى شيء من هذا حتـى قال:سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى } قال: فـالتفت فإذا هي عصا كما كانت، فرجع فأخذها، ثم قوي بعد ذلك حتـى صار يرسلها علـى فرعون ويأخذها. وقوله: { يا موسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَديَّ الـمُرْسَلُونَ إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } يقول تعالـى ذكره: فناداه ربه: يا موسى لا تـخف من هذه الـحية، إنـي لا يخاف لديّ الـمرسلون: يقول: إنـي لا يخاف عندي رسلـي وأنبـيائي الذين أختصهم بـالنبوّة، إلا من ظلـم منهم، فعمل بغير الذي أُذن له فـي العمل به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قوله { يا مُوسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ } قال: لا يخيف الله الأنبـياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتـى يأخذه منه.

السابقالتالي
2 3