الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } * { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }

اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: { وما أنْتَ بِهادِي } بـالـياء والألف وإضافته إلـى العمي بـمعنى: لست يا مـحمد بهادي من عمي عن الـحقّ { عَنْ ضَلالَتِهِ }. وقراءة عامة قرّاء الكوفة «وَما أنْتَ تَهْدِي العُمْىَ» بـالتاء ونصب العمي، بـمعنى: ولست تهديهم { عَنْ ضَلالَتهِمْ } ولكن الله يهديهم إن شاء. والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مشهورتان فـي قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام ما وصفت { وَما أنتَ } يا مـحمد { بِهادِي } من أعماه الله عن الهدى والرشاد فجعل علـى بصره غشاوة أن يتبـين سبـيـل الرشاد عن ضلالته التـي هو فـيها إلـى طريق الرشاد وسبـيـل الرشاد. وقوله: { إنْ تُسْمِعُ إلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا } يقول: ما تقدر أن تُفهم الـحقّ وتوعيه أحداً إلا سمع من يصدّق بآياتنا، يعنـي بأدلته وحججه وآي تنزيـله { فَهُمْ مُسْلـمُونَ } فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه، ويفكرون فـيه، ويعملون به، فهم الذين يسمعون. ذكر من قال مثل الذي قلنا فـي قوله تعالـى: وَقَع: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ } قال: حقّ علـيهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: { وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهُمْ } يقول: إذا وجب القول علـيهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد { وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ } قال: حقّ العذاب. قال ابن جُرَيج: القول: العذاب. ذكر من قال قولنا فـي معنى القول: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ } والقول: الغضب. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن هشام، عن حفصة، قالت: سألت أبـا العالـية، عن قوله: { وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ } فقال: أوحى الله إلـى نوح { إنَّهُ لَنْ يُؤْمِنُ مِنَ قَوْمِكَ إلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ } قالت: فكأنـما كان علـى وجهي غطاء فكشف. وقال جماعة من أهل العلـم: خروج هذه الدابة التـي ذكرها حين لا يأمر الناس بـمعروف ولا ينهون عن منكر. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن عمرو بن قـيس، عن عطية العوفـي، عن ابن عمر فـي قوله: { وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ } قال: هو حين لا يأمرون بـمعروف ولا ينهون عن منكر. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا مـحمد بن الـحسن أبو الـحسن، قال: ثنا عمرو بن قـيس الـملائي، عن عطية، عن ابن عمر، فـي قوله: { وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ } قال: ذاك إذا ترك الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر.

السابقالتالي
2 3 4