الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

اختلف أهل العلم فـي الـحين الذي قال فـيه سليمان { يا أيها الـمَلأُ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها } فقال بعضهم: قال ذلك حين أتاه الهدهد بنبأ صاحبة سبأ، وقال له:جئْتُكَ مِنْ سَبأ بِنَبأٍ يَقِـينٍ } وأخبره أن لها عرشا عظيـماً، فقال له سلـيـمان صلى الله عليه وسلم:سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ } فكان اختبـاره صدقه من كذبه بأن قال لهؤلاء: أيكم يأتـينـي بعرش هذه الـمرأة قبل أن يأتونـي مسلـمين. وقالوا إنـما كتب سلـيـمان الكتاب مع الهدهد إلـى الـمرأة بعد ما صحّ عنده صدق الهدهد بـمـجيء العالـم بعرضها إلـيه علـى ما وصفه به الهدهد، قالوا: ولولا ذلك كان مـحالاً أن يكتب معه كتابـاً إلـى من لا يدري، هل هو فـي الدنـيا أم لا؟ قالوا: وأخرى أنه لو كان كتب مع الهدهد كتابـاً إلـى الـمرأة قبل مـجيء عرشها إلـيه، وقبل علـمه صدق الهدهد بذلك، لـم يكن لقوله لهسَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذبِـينَ } معنى، لأنه لا يُـلِـم بخبره الثانـي من إبلاغه إياها الكتاب، أو ترك إبلاغه إياها ذلك، إلا نـحو الذي علـم بخبره الأوّل حين قال له:جئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبإٍ يَقِـينٍ } قالوا: وإن لـم يكن فـي الكتاب معهم امتـحان صدقه من كذبه، وكان مـحالاً أن يقول نبـيّ الله قولاً لا معنى له وقد قال:سَنَنْطُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ } علـم أن الذي امتـحن به صدق الهدهد من كذبه هو مصير عرش الـمرأة إلـيه، علـى ما أخبره به الهدهد الشاهد علـى صدقه، ثم كان الكتاب معه بعد ذلك إلـيها. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: إن سلـيـمان أوتـي ملكاً، وكان لا يعلـم أن أحداً أوتـي ملكاً غيره فلـما فقد الهدهد سأله: من أين جئت؟ ووعده وعيداً شديداً بـالقتل والعذاب، قال:جِئْتُكَ مِنْ سَبأٍ بِنَبأٍ يَقِـينٍ } قال له سلـيـمان: ما هذا النبأ؟ قال الهدهد:إنّى وَجَدْتٌ امْرأةً } بسبأتَـمْلِكُهُمْ، وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ، ولَهَا عَرْشٌ عَظِيـمٌ } فلـما أخبر الهدهد سلـيـمان أنه وجد سلطاناً، أنكر أن يكون لأحد فـي الأرض سلطان غيره، فقال لـمن عنده من الـجنّ والإنس: { يا أيُّها الـمَلأُّ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ؟ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ } قال سلـيـمان: أريد أعجل من ذلك { قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } وهو رجل من الإنس عنده علـم من الكتاب فـيه اسم الله الأكبر، الذي إذا دعي به أجاب: { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } فدعا بـالاسم وهو عنده قائم، فـاحتـمل العرش احتـمالاً حتـى وُضع بـين يدي سلـيـمان، والله صنع ذلك فلـما أتـى سلـيـمان بـالعرش وهم مشركون، يسجدون للشمس والقمر، أخبره الهدهد بذلك، فكتب معه كتابـاً ثم بعثه إلـيهم، حتـى إذا جاء الهدهد الـملكة ألقـى إلـيها الكتاب

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7