الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف أهل العربـية فـي معنى ذلك: فقال بعض نـحويـي البصرة معناه: هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم، فحذف الدعاء، كما قال زُهَير:
القائِدُ الـخَيْـلَ مَنْكُوبـا دَوَابِرُها   قدْ أُحْكِمَتْ حَكماتِ القِدّ والأبَقا
وقال: يريد أحكمت حكمات الأبق، فألقـى الـحكمات وأقام الأبق مُقامها. وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربـية: الفصيح من الكلام فـي ذلك هو ما جاء فـي القرآن، لأن العرب تقول: سمعت زيدا متكلـما، يريدون: سمعت كلام زيد، ثم تعلـم أن السمع لا يقع علـى الأناسيّ، إنـما يقع علـى كلامهم ثم يقولون: سمعت زيدا: أي سمعت كلامه، قال: ولو لـم يقدم فـي بـيت زهير حكمات القدّ لـم يجز أن يسبق بـالأبق علـيها، لأنه لا يقال: رأيت الأبق، وهو يريد الـحكمة. وقوله: { أوْ يَنْفَعُونَكُمْ أوْ يَضُرُّونَ } يقول: أو تنفعكم هذه الأصنام، فـيرزقونكم شيئا علـى عبـادتكموها، أو يضرّونكم فـيعاقبونكم علـى ترككم عبـادتها بأن يسلبوكم أموالكم، أو يهلكوكم إذا هلكتـم وأولادكم { قالُوا بَلْ وَجَدْنا آبـاءَنا كَذلكَ يَفْعَلُونَ }. وفـي الكلام متروك استغنـي بدلالة ما ذكر عما ترك، وذلك جوابهم إبراهيـم عن مسألته إياهم: { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ، أوْ يَنْفُعُونَكُمْ أوْ يَضُرُّونَ } فكان جوابهم إياه: لا، ما يسمعوننا إذا دعوناهم، ولا ينفعوننا ولا يضرّون، يدلّ علـى أنهم بذلك أجابوه. قولهم: { بَلْ وَجَدْنا آبـاءَنا كَذلكَ يَفْعَلُونَ } وذلك رجوع عن مـجحود، كقول القائل: ما كان كذا بل كذا وكذا، ومعنى قولهم: { وَجَدْنا آبـاءَنا كذلكَ يَفْعَلُونَ } وجدنا من قبلنا ولا يضرّون، يدلّ علـى أنهم بذلك أجابوه. قولهم من آبـائنا يعبدونها ويعكفون علـيها لـخدمتها وعبـادتها، فنـحن نفعل ذلك اقتداء بهم، واتبـاعا لـمنهاجهم.