الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } * { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }

يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـل صالـح لقومه من ثمود: أيترككم يا قوم ربكم فـي هذه الدنـيا آمنـين، لا تـخافون شيئا { فِـي جَنَاتٍ وَعُيُونٍ } يقول: فـي بساتـين وعيون ماء { وَزُرُوعٍ ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ } يعنـي بـالطلع: الكُفُرَّى. واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله { هَضِيـمٌ } فقال بعضهم: معناه الـيانع النضيج. ذكر من قال ذلك: حدثني مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ } يقول: أينع وبلغ فهو هضيـم. وقال آخرون: بل هو الـمتهشم الـمتفتت. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله { ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ } قال مـحمد بن عمرو فـي حديثه تهشم هشيـماً. وقال الـحارث: تهشّم تهشّماً. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عبد الكريـم يقول: سمعت مـجاهداً يقول فـي قوله { ونَـخْـلٍ طَلْعُهَا هَضِيـمٌ } قال: حين تطلع يقبض علـيه فـيهضمه. قال: ابن جُرَيج. قال مـجاهد: إذا مسّ تهشّم وتفتَّت، قال: هو من الرطب هضيـم تقبض علـيه فتهضمه. وقال آخرون: هو الرطب اللـين. ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة قوله { ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ } قال: الهضيـم: الرطب اللـين. وقال آخرون: هو الراكب بعضه بعضاً. ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { طَلْعُها هَضِيـمٌ } إذا كثر حمل النـخـلة فركب بعضها بعضا، حتـى نقص بعضها بعضاً، فهو حينئذ هضيـم. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: الهضيـم: هو الـمتكسر من لـينه ورطوبته، وذلك من قولهم: هضم فلان حقه: إذا انتقصه وتـحيَّفه، فكذلك الهضم فـي الطلع، إنـما هو التنقص منه من رطوبته ولـينه إما بـمسّ الأيدي، وإما بركوب بعضه بعضاً، وأصله مفعول صرف إلـى فعيـل. وقوله: { وَتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فَرِهِينَ } يقول تعالـى ذكره: وتتـخذون من الـجبـال بـيوتاً. فـاختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { فـارِهِينَ } فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: { فـارِهِينَ } بـمعنى: حاذقـين بنـحتها. وقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة: «فَرِهِينَ» بغير ألف، بـمعنى: أشرين بطرين. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك علـى نـحو اختلاف القرّاء فـي قراءته، فقال بعضهم: معنى فـارهين: حاذقـين. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح وعبد الله بن شدّاد { وتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فـارِهِينَ } قال أحدهما: حاذقـين، وقال الآخر: يتـجبرون.

السابقالتالي
2