الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

يقول تعالـى ذكره: والذين إذا أنفقوا أموالهم لـم يسرفوا فـي إنفـاقها. ثم اختلف أهل التأويـل فـي النفقة التـي عناها الله فـي هذا الـموضع، وما الإسراف فـيها والإقتار. فقال بعضهم: الإسرافُ ما كان من نفقة فـي معصية الله، وإن قلَّت. قال: وإياها عنـي الله، وسماها إسرافـا قالوا: والإقتار الـمنع من حقّ الله. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرفُوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا، وكانَ بـينَ ذلك قَوَاماً } قال: هم الـمؤمنون لا يسرفون فـينفقون فـي معصية الله، ولا يُقترون فـيـمنعون حقوق الله تعالـى. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، عن عثمان بن الأسود، عن مـجاهد، قال: لو أنفقت مثل أبـي قُبـيس ذهبـاً فـي طاعة الله ما كان سرفـاً، ولو أنفقت صاعاً فـي معصية الله كان سرفـاً. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرِفُوا وَلَـمْ يَقْتُروا } قال: فـي النفقة فـيـما نهاهم وإن كان درهماً واحداً، ولـم يقتروا ولـم يُقَصِّرُوا عن النفقة فـي الـحقّ. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرفوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا وكانَ بـينَ ذلكَ قَوَاماً } قال: لـم يسرفوا فـينفقوا فـي معاصي الله. كلّ ما أنفق فـي معصية الله، وإن قلّ فهو إسراف، ولـم يقتروا فـيـمسكوا عن طاعة الله. قال: وما أُمْسِكَ عن طاعة الله وإن كثر فهو إقتار. قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي إبراهيـم بن نشيط، عن عمر مولـى غُفرة أنه سئل عن الإسراف ما هو؟ قال: كلّ شي أنفقته فـي غير طاعة الله فهو سرف. وقال آخرون: السرف: الـمـجاوزة فـي النفقة الـحدّ والإقتار: التقصير عن الذي لا بدّ منه. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قوله { وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَـمْ يُسْرِفُوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا } قال: لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف. حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: ثنا مـحمد بن يزيد بن خنـيس أبو عبد الله الـمخزومي الـمكي، قال: سمعت وهيب بن الورد أبـي الورد مولـى بنـي مخزوم، قال: لقـي عالـم عالـماً هو فوقه فـي العلـم، فقال: يرحمك الله أخبرنـي عن هذا البناء الذي لا إسراف فـيه ما هو؟ قال: هو ما سترك من الشمس، وأكنَّك من الـمطر، قال: يرحمك الله، فأخبرنـي عن هذا الطعام الذي نصيبه لا إسراف فـيه ما هو؟ قال: ما سدّ الـجوع ودونَ الشبع، قال: يرحمك الله، فأخبرنـي عن هذا اللبـاس الذي لا إسراف فـيه ما هو؟ قال: ما ستر عورتك، وأدفأك من البرد.

السابقالتالي
2 3