الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } * { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }

يقول تعالى ذكره: والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بـين سجود فـي صلاتهم وقيام. وقوله: { وَقِياماً } جمع قائم، كما الصيام جمع صائم. { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّـمَ } يقول تعالـى ذكره: والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذراً منه ووجلاً. وقوله: { إنَّ عَذَابها كانَ غَرَاماً } يقول: إن عذاب جهنـم كان غراماً ملـحّاً دائماً لازماً غير مفـارق من عذِّب به من الكفـار، ومهلكاً له. ومنه قولهم: رجل مُغْرم، من الغُرْم والدَّين. ومنه قـيـل للغريـم غَريـم لطلبه حقه، وإلـحاحه علـى صاحبه فـيه. ومنه قـيـل للرجل الـمولع للنساء: إنه لـمغرَم بـالنساء، وفلان مغرَم بفلان: إذا لـم يصبر عنه ومنه قول الأعشى:
إنْ يُعاقِبْ يَكنْ غَرَاماً وَإنْ يُعْ   طِ جَزِيلاً فإنَّهُ لا يُبـالـي
يقول: إن يعاقب يكن عقابه عقابـاً لازماً، لا يفـارق صاحبه مهلكاً له. وقول بشر بن أبـي خازم:
يَوْمَ النِّسارِ وَيَوْمَ الـجِفـا   رِ كانَ عِقابـاً وكانَ غَرَاماً
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ بن الـحسن اللانـي، قال: أخبرنا الـمعافـى بن عمران الـموصلـي، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب فـي قوله { إنَّ عَذَابها كانَ غَرَاماً } قال: إن الله سأل الكفـار عن نعمه، فلـم يردّوها إلـيه، فأغرمهم، فأدخـلهم النار. قال: ثنا الـمعافـى، عن أبـي الأشهب، عن الـحسن، فـي قوله { إن عَذَابَها بها كانَ غَرَاماً } قال: قد علـموا أن كلّ غريـم مفـارق غريـمه إلا غريـم جهنـم. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { إنَّ عَذَابَها كانَ غَرَاماً } قال: الغرام: الشرّ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله { إنَّ عَذَابها كانَ غَرَاماً } قال: لا يفـارقه. وقوله { إنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقاماً } يقول: إن جهنـم ساءت مستقراً ومقاماً، يعنـي بـالـمستقرّ: القرار، وبـالـمقام: الإقامة كأن معنى الكلام: ساءت جهنـم منزلاً ومقاماً. وإذا ضمت الـميـم من الـمقام فهو من الإقامة، وإذا فتـحت فهو من: قمتُ، ويقال: الـمقام إذا فتـحت الـميـم أيضاً هو الـمـجلس. ومن الـمُقام بضمّ الـميـم بـمعنى الإقامة، قول سلامة بن جندل:
يَوْمانِ: يَوْمُ مُقاماتٍ وأنْدِيَةٍ   وَيَوْمُ سَيْرٍ إلـى الأعْداءِ تأْوِيَبـا
ومن الـمَقام الذي بـمعنى الـمـجلس، قول عبـاس بن مرداس:
فَأـي ما وأيُّكَ كانَ شَرًّا   فَقِـيدَ إلـى الـمَقامَة لا يَرَاها
يعنـي: الـمـجلس.