الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }

يقول تعالـى ذكره: والله الذي خـلط البحرين، فأمرج أحدهما فـي الآخر، وأفـاضه فـيه. وأصل الـمرج الـخـلط، ثم يقال للتـخـلـية: مرج، لأن الرجل إذا خـلـى الشيء حتـى اختلط بغيره، فكأنه قد مرجه ومنه الـخبر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله لعبد الله بن عمرو: " كَيْفَ بِكَ يا عَبْدَ اللَّهِ إذَا كُنْتَ فـي حُثالَةً مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأماناتُهُمْ، وَصَارُوا هَكَذا وشَبَّكَ بـين أصابعه " يعنـي بقوله: قد مرجت: اختلطت، ومنه قول الله: فِـي أمْرٍ مَرِيجٍ: أي مختلط. وإنـما قـيـل للـمرج مرج من ذلك، لأنه يكون فـيه أخلاط من الدوابّ، ويقال: مَرَجْت دابتك: أي خـلـيتها تذهب حيث شاءت. ومنه قول الراجز:
رَعَى مَرَجَ رَبِـيعٍ مَـمْرَجا   
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ } يعنـي أنه خـلع أحدهما علـى الآخر. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { مَرَجَ البَحْرَيْنِ } أفـاض أحدهما علـى الآخر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ } يقول: خـلع أحدهما علـى الآخر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو تـميـلة، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن مـجاهد: { مَرَجَ } أفـاض أحدهما علـى الآخر. وقوله { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } الفرات: شديد العذوبة، يقال: هذا ماء فرات: أي شديد العذوبة. وقوله { وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ } يقول: وهذا ملـح مرّ. يعنـي بـالعذب الفرات: مياه الأنهار والأمطار، وبـالـملـح الأجاج: مياه البحار. وإنـما عنى بذلك أنه من نعمته علـى خـلقه، وعظيـم سلطانه، يخـلط ماء البحر العذب بـماء البحر الـملـح الأجاج، ثم يـمنع الـملـح من تغيـير العذب عن عذوبته، وإفساده إياه بقضائه وقدرته، لئلا يضرّ إفساده إياه يركبـان الـملـح منهما، فلا يجدوا ماء يشربونه عند حاجتهم إلـى الـماء، فقال جلّ ثناؤه: { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } يعنـي حاجزاً يـمنع كل واحد منهما من إفساد الآخر { وَحِجْراً مـحْجُوراً } يقول: وجعل كل واحد منهما حراماً مـحرّماً علـى صاحبه أن يغيره ويفسده وبنحو الذي قلنا في تأويل ذك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ، وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ } يعنـي أنه خـلق أحدهما علـى الآخر، فلـيس يفسد العذب الـمالـح، ولـيس يفسد الـمالـح العذب، وقوله { وَجَعَلَ بَـيْنَهُما بَرْزَخاً } قال: البرزخ: الأرض بـينهما { وَحِجْراً مـحْجُوراً } يعنـي: حجر أحدهما علـى الآخر بأمره وقضائه، وهو مثل قوله

السابقالتالي
2