الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }

يقول تعالـى ذكره: وقال الرسول يوم يعضّ الظالـم علـى يديه: يا ربّ إن قومي الذين بعثتنـي إلـيهم لأدعوهم إلـى توحيدك اتـخذوا هذا القرآن مهجوراً. واختلف أهل التأويـل فـي معنى اتـخاذهم القرآن مهجوراً، فقال بعضهم: كان اتـخاذهم ذلك هُجراً، قولهم فـيه السيىء من القول، وزعمهم أنه سحر، وأنه شعر. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: { اتَّـخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهْجُوراً } قال: يهجُرون فـيه بـالقول، يقولون: هو سحر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، قوله: { وَقالَ الرَّسُولُ... } الآية: يهجرون فـيه بـالقول. قال مـجاهد: وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ قال: مستكبرين بـالبلد سامراً مـجالس تهجرون، قال: بـالقول السيىء فـي القرآن غير الـحقّ. حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال، ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم، فـي وقول الله: { إنَّ قَوْمي اتَّـخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهْجُوراً } قال: قالوا فـيه غير الـحقّ ألـم تر إلـى الـمريض إذا هذى قال غير الـحقّ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: الـخبر عن الـمشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولـم يسمعوا له. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول الله: { وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبّ إنَّ قَوْمي اتَّـخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهْجُوراً لا يريدون أن يسمعوه، وإن دعوا إلـى الله قالوا لا. وقرأ: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنأَوْنَ عَنْهُ قال: ينهون عنه، ويبعدون عنه. قال أبو جعفر: وهذا القول أولـى بتأويـل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فـيه، وذلك هجرهم إياه. وقوله: { وكَذلكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِـيّ عَدُوّا مِنَ الـمُـجْرِمِينَ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وكما جعلنا لك يا مـحمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكلّ من نبأناه من قبلك عدوّا من مشركي قومه، فلـم تـخصص بذلك من بـينهم. يقول: فـاصبر لِـما نالك منهم كما صبر مِن قبلك أولو العزم من رسلنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن عبـاس { وكَذلكَ جَعَلْنا لكُلّ نَبِـيّ عَدُوّاً مِنَ الـمُـجْرِمِينَ } قال: يوطن مـحمداً صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوّاً من الـمـجرمين كما جعل لـمن قبله. وقوله: { وكَفَـى برَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً } يقول تعالـى ذكره لنبـيه: وكفـاك يا مـحمد بربك هاديا يهديك إلـى الـحقّ، ويبصرك الرشد، ونصيراً: يقول: ناصراً لك علـى أعدائك، يقول: فلا يهولنك أعداؤك من الـمشركين، فإنـي ناصرك علـيهم، فـاصبر لأمري، وامض لتبلـيغ رسالتـي إلـيهم.