الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

يقول تعالـى ذكره: { والبُدْنَ } وهي جمع بَدَنة، وقد يقال لواحدها: بَدَن، وإذا قـيـل بَدَن احتـمل أن يكون جمعاً وواحداً، يدلّ علـى أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:
عَلـيَّ حِينَ تَـمْلِكُ الأُمُورَا   صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَحَلْقَ رأسِي وَافِـيا مَضْفُورَا   وَبَدًنا مُدَرَّعا مَوْفُورَا
والبَدَن: هو الضخم من كلّ شيء، ولذلك قـيـل لامرىء القـيس بن النعمان صاحب الـخورنق والسَّدِير: البَدَن، لضخمه واسترخاء لـحمه، فإنه يقال: قد بَدَّن تبديناً. فمعنى الكلام: والإبل العظام الأجسام الضخام، جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به فـي مناسك حجكم إذا قلدتـموها وجللتـموها وأشعرتـموها، علـم بذلك وشعر أنكم فعلتـم ذلك من الإبل والبقر. كما: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء: { والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللَّهِ } قال: البقرة والبعير. وقوله: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } يقول: لكم فـي البدن خير وذلك الـخير هو الأجر فـي الآخرة بنـحرها والصدقة بها، وفـي الدنـيا: الركوب إذا احتاج إلـى ركوبها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } قال: أجر ومنافع فـي البدن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } قال: اللبن والركوب إذا احتاج. حدثنا عبد الحميد ابن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن منصور، عن إبراهيـم: { لَكُمْ فِيها خَيْرٌ } قال: إذا اضطررت إلـى بدنتك ركبتها وشربت من لبنها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } من احتاج إلـى ظهر البدنة ركب، ومن احتاج إلـى لبنها شرب. وقوله: { فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } يقول تعالـى ذكره: فـاذكروا اسم الله علـى البدن عند نـحركم إياها صوافّ. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: { فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } بمعنى مصطفة، واحدها: صافة، وقد صفت بـين أيديها. ورُوي عن الـحسن ومـجاهد وزيد بن أسلـم وجماعة أُخر معهم، أنهم قرءوا ذلك: «صَوَافِـيَ» بـالـياء منصوبة، بـمعنى: خالصة لله لا شريك له فـيها صافـية له. وقرأ بعضهم ذلك: «صَوَافٍ» بإسقاط الـياء وتنوين الـحرف، علـى مثال: عوارٍ وعوادٍ. ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأه: «صَوَافِنٌ» بـمعنى: مُعْقلة. والصواب من القراءة فـي ذلك عندي قراءة من قرأه بتشديد الفـاء ونصبها، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه بـالـمعنى الذي ذكرناه لـمن قرأه كذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7