الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ }

يقول تعالى ذكره لنبيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر أيوب يا مـحمد، إذ نادى ربه وقد مسه الضرّ والبلاء. { رَبّ إنّـي مَسَّنِـيَ الضُّرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِين فَـاسْتَـجَبْنا لَهُ } يقول تعالـى ذكره: فـاستـجبنا لأيوب دعاءه إذ نادانا، فكشفنا ما كان به من ضرّ وبلاء وجهد. وكان الضرّ الذي أصابه والبلاء الذي نزل به، امتـحانا من الله له واختبـارا. وكان سبب ذلك كما: حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر البخاريّ، قال: ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم بن هشام، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: كان بدء أمر أيوب الصديق صلوات الله علـيه، أنه كان صابرا نعم العبد. قال وهب: إن لـجبريـل بـين يدي الله مقاما لـيس لأحد من الـملائكة فـي القُربة من الله والفضيـلة عنده، وإن جبريـل هو الذي يتلقـى الكلام، فإذا ذكر الله عبدا بخير تلقاه جبرائيـل منه ثم تلقاه ميكائيـل، وحَوْله الـملائكة الـمقرّبون حافـين من حول العرش. وشاع ذلك فـي الـملائكة الـمقرّبـين، صارت الصلاة علـى ذلك العبد من أهل السموات، فإذا صلت علـيه ملائكة السموات، هبطت علـيه بـالصلاة إلـى ملائكة الأرض. وكان إبليس لا يُحْجَب بشيء من السموات، وكان يقـف فـيهنّ حيث شاء ما أرادوا، ومن هنالك وصل إلـى آدم حين أخرجه من الـجنة. فلـم يزل علـى ذلك يصعد فـي السموات، حتـى رفع الله عيسى ابن مريـم، فحُجِب من أربع، وكان يصعد فـي ثلاث. فلـما بعث الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم، حُجِب من الثلاث البـاقـية، فهو مـحجوب هو وجميع جنوده من جميع السموات إلـى يوم القـيامة { إلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ } ، ولذلك أنكرت الـجنّ ما كانت تعرف حين قالت: { وَأنَّا لَـمَسْنا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسا شَدِيدا... } إلـى قوله: { شِهابـا رَصَدا }. قال وهب: فلـم يَرُعْ إبلـيس إلا تـجاوبُ ملائكتها بـالصلاة علـى أيوب، وذلك حين ذكره الله وأثنى علـيه. فلـما سمع إبلـيس صلاة الـملائكة، أدركه البغي والـحسد، وصعد سريعا حتـى وقـف من الله مكانا كان يقـفه، فقال: يا إلهي، نظرت فـي أمر عبدك أيوب، فوجدته عبدا أنعمت علـيه فشكرك، وعافَـيْتَهُ فحمدك، ثم لـم تـجرّبه بشدة ولـم تـجرّبه ببلاء، وأنا لك زعيـم لئن ضربته بـالبلاء لـيكفرنّ بك ولـينسينك ولـيعبدنّ غيرك قال الله تبـارك وتعالـى له: انطلق، فقد سلّطتك علـى ماله، فإنه الأمر الذي تزعم أنه من أجله يشكرنـي، لـيس لك سلطان علـى جسده ولا علـى عقله فـانقضّ عدوّ الله، حتـى وقع علـى الأرض، ثم جمع عفـاريت الشياطين وعظماءهم، وكان لأيوب البَثَنِـية من الشام كلها، بـما فـيها من شرقها وغربها، وكان له بها ألف شاة برعاتها، وخمس مئة فدان يتبعها خمس مئة عبد، لكل عبد امرأة وولد ومال، وحمل آلة كل فدان أتانٌ، لكل أتان ولد من اثنـين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد