الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }

يقول تعالـى ذكره: قال موسى لأخيه هارون لـما فرغ من خطاب قومه ومراجعته إياهم علـى ما كان من خطأ فعلهم: يا هارون أيّ شيء منعك إذ رأيتهم ضلوا عن دينهم، فكفروا بـالله وعبدوا العجل أن لا تتبعنـي. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عذل موسى علـيه أخاه من تركه اتبـاعه، فقال بعضهم: عذله علـى تركه السير بـمن أطاعه فـي أثره علـى ما كان عهد إلـيه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن حكيـم بن جبـير، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: لـما قال القوم:لَنْ نَبرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفِـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى } أقام هارون فـيـمن تبعه من الـمسلـمين مـمن لـم يُفتتن، وأقام من يعبد العجل علـى عبـادة العجل، وتـخوّف هارون إن سار بـمن معه من الـمسلـمين أن يقول له موسى: { فَرَّقْتَ بـينَ بَنـي إسْرَائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي } وكان له هائبـا مطيعاً. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلُّوا ألاَّ تَتَّبِعَنِ } قال: تدعهم. وقال آخرون: بل عذله علـى تركه أن يصلـح ما كان من فساد القوم. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: { ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلُّوا ألاَّ تَتَّبِعَنِ } قال: أمر موسى هارون أن يصلـح، ولا يتبع سبـيـل الـمفسدين، فذلك قوله: { أنْ لا تَتَّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي } بذلك، وقوله: { قالَ يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي } وفـي هذا الكلام متروك، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام علـيه، وهو: ثم أخذ موسى بلـحية أخيه هارون ورأسه يجرّه إلـيه، فقال هارون: { يا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي }. وقوله: { إنّـي خَشيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرائيـلَ وَلَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي } فـاختلف أهل العلـم فـي صفة التفريق بـينهم، الذي خشيه هارون، فقال بعضهم: كان هارون خاف أن يسير بـمن أطاعه، وأقام علـى دينه فـي أثر موسى، ويخـلف عبدة العجل، وقد { قالُوا } لهلَنْ نَبْرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى } فـيقول له موسى { فَرَّقْتَ بـينَ نَبِـي إسْرائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي } بسيرك بطائفة، وتركك منهم طائفة وراءك. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، فـي قول الله تعالـى: { ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلُّوا ألاَّ تَتَّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي } قال: { خَشِيتُ أنْ تَقُول فَرَّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي } قال: خشيت أن يتبعنـي بعضهم ويتـخـلف بعضهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: خشيت أن نقتتل فـيقتل بعضنا بعضاً. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج { إنّـي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي } قال: كنا نكون فرقتـين فـيقتل بعضنا بعضاً حتـى نتفـانى.

السابقالتالي
2