الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ }

يقول تعالـى ذكره: { وَلَقَدْ أوْحَيْنا إلـى } نبـينا { مُوسَى } إذ تابعنا له الـحجج علـى فرعون، فأبى أن يستـجيب لأمر ربه، وطغى وتـمادى فـي طغيانه { أنْ أسْرِ } لـيلاً { بِعبـادِي } يعنـي بعبـادي من بنـي إسرائيـل { فـاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِـي البَحْرِ يَبَساً } يقول: فـاتـخذ لهم فـي البحر طريقاً يابساً. والـيَبَس والـيَبْس: يجمع أيبـاس، تقول: وقـفوا فـي أيبـاس من الأرض. والـيَبْس الـمخفف: يجمع يبوس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله { يَبَساً } قال: يابساً. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مـجاهد، مثله. وأما قوله: { لا تَـخافُ دَرَكاً وَلا تَـخْشَى } فإنه يعنـي: لا تـخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك، ولا تـخشى غرقاً من بـين يديك ووَحَلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { لا تـخافُ دَرَكاً وَلا تَـخْشَى } يقول: { لا تـخافُ } من آل فرعون { دَرَكاً وَلا تَـخْشِى } مِنَ البَحْرِ غرقاً. حدثنا بِشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { لا تَـخافُ دَرَكاً وَلا تَـخْشَى } يقول: لا تـخاف أن يدركك فرعون من بعدك ولا تـخشى الغرق أمامك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيْج: قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر قد غشينا، فأنزل الله: { لا تَـخافُ دَرَكاً } أصحاب فرعون { وَلا تَـخْشَى } من البحر وحلاً. حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيـم، عن بعض أصحابه، فـي قوله: { لا تَـخافُ دَرَكاً وَلا تَـخْشَى } قال: الوَحَل. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { لا تَـخافُ دَرَكاً } فقرأته عامَّة قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة: { لا تَـخافُ دَرَكاً } علـى الاستئناف بلا، كما قال:وَاصْطَبِرْ عَلَـيْها لا نَسألُكَ رِزْقاً } فرفع، وأكثر ما جاء فـي هذا الأمر الـجواب مع «لا». وقرأ ذلك الأعمش وحمزة «لا تَـخَفْ دَرَكاً» فجزما لا تـخاف علـى الـجزاء، ورفعا { وَلا تَـخْشَى } علـى الاستئناف، كما قال جلّ ثناؤه:يُوَلُّوكُمُ الأدْبـارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ } فـاستأنف بثم، ولو نوى بقوله: { ولاَ تَـخْشَى } الـجزم، وفـيه الـياء، كان جائزاً، كما قال الراجز:
هُزّي إلَـيْكِ الـجِذْعَ يَجْنِـيكِ الـجَنى   
وأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها: { لا تـخافُ } علـى وجه الرفع، لأن ذلك أفصح اللغتـين، وإن كانت الأخرى جائزة. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: معنى قوله: { لا تَـخافُ دَرَكاً } اضرب لهم طريقاً لا تـخاف فـيه دركاً، قال: وحذف فـيه، كما تقول: زيد أكرمت، وأنت تريد: أكرمته، وكما تقول:وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً } أي لا تـجزى فـيه. وأما نـحويو الكوفة فإنهم ينكرون حذف فـيه إلا فـي الـمواقـيت، لأنه يصلـح فـيها أن يقال: قمت الـيوم وفـي الـيوم، ولا يجيزون ذلك فـي الأسماء.