الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }

يقول تعالـى ذكره لرسوله موسى وهارون: قولا لفرعون إنا قد أوحى إلـينا ربك أن عذابه الذي لا نفـاد له، ولا انقطاع علـى من كذب بـما ندعوه إلـيه من توحيد الله وطاعته، وإجابة رسله { وَتَوَّلـى } يقول: وأدبر مُعرضاً عما جئناه به من الـحقّ، كما: حدثنا بِشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { أنَّ العَذَابَ عَلـى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّـى } كذّب بكتاب الله، وتولـى عن طاعة الله. وقوله: { قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسَى } فـي هذا الكلام متروك، ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر علـيه عنه، وهو قوله:فَأْتِـياهُ } فقالا له ما أمرهما به ربهما وأبلغاه رسالته، فقال فرعون لهما { فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسَى } فخاطب موسى وحده بقوله: يا موسى، وقد وجه الكلام قبل ذلك إلـى موسى وأخيه. وإنـما فعل ذلك كذلك، لأن الـمـجاوبة إنـما تكون من الواحد وإن كان الـخطاب بـالـجماعة لا من الـجميع، وذلك نظير قوله:نَسِيا حُوَتُهما } وكان الذي يحمل الـحوت واحد، وهو فتـى موسى، يدلّ علـى ذلك قوله:إنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاَّ الشَّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ } وقوله: { قالَ رَبُّنا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول تعالـى ذكره: قال موسى له مـجيبـاً: ربنا الذي أعطى كلّ شيء خـلقه، يعنـي: نظير خـلقه فـي الصورة والهيئة كالذكور من بنـي آدم، أعطاهم نظير خـلقهم من الإناث أزواجاً، وكالذكور من البهائم، أعطاها نظير خـلقها، وفـي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجاً، فلـم يعط الإنسان خلاف خـلقه، فـيزوّجه بـالإناث من البهائم، ولا البهائم بـالإناث من الإنس، ثم هداهم للـمأتـي الذي منه النسل والنـماء كيف يأتـيه، ولسائر منافعه من الـمطاعم والـمشارب، وغير ذلك. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: بنـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول: خـلق لكلّ شيء زوجة، ثم هداه لـمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { قالَ رَبُّنا الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول: أعطى كلّ دابة خـلقها زوجاً، ثم هدى للنكاح. وقال آخرون: معنى قوله { ثُمَّ هَدَى } أنه هداهم إلـى الأُلفة والاجتـماع والـمناكحة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يعنـي: هدى بعضهم إلـى بعض، ألَّف بـين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضاً. وقال آخرون: معنى ذلك: أعطى كلّ شيء صورته، وهي خـلقه الذي خـلقه به، ثم هداه لـما يُصلـحه من الاحتـيال للغذاء والـمعاش.

السابقالتالي
2