الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } * { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ }

يقول تعالـى ذكره لـموسى وهارون: فقولا لفرعون قولاً لـيِّنا. ذُكر أن القول اللـين الذي أمرهما الله أن يقولاه له، هو أن يكنـياه. حدثنـي جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: ثنا سعيد بن مـحمد الثقـفـي، قال: ثنا علـيّ بن صالـح، عن السديّ: { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَـيِّناً } قال: كنـياه. وقوله: { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى } اختلف فـي معنى قوله: { لَعَلَّهُ } فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم معناها ههنا الاستفهام، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلـى: فقولا له قولاً لـيناً، فـانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فـيرتدع عن طغيانه. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى } يقول: هل يتذكر أو يخشى. وقال آخرون: معنى لعلّ ههنا كي. ووجَّهوا معنى الكلام إلـىاذهبَـا إلـى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى } فـادعواه وعظاه لـيتذكر أو يخشى، كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بـمعنى: لتأخذ أجرك، وافرغ من عملك لعلنا نتغدَّى، بـمعنى: لنتغدى، أو حتـى نتغدى، ولكلا هذين القولـين وجه حسن، ومذهب صحيح. وقوله: { قالا رَبَّنا إنَّنا نَـخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَـيْنا } يقول تعالـى ذكره: قال موسى وهارون: ربنا إننا نـخاف فرعون إن نـحن دعوناه إلـى ما أمرتنا أن ندعوه إلـيه، أن يعجل علـينا بـالعقوبة وهو من قولهم: فرط منـي إلـى فلان أمر: إذا سبق منه ذلك إلـيه، ومنه: فـارط القوم، وهو الـمتعجل الـمتقدّم أمامهم إلـى الـماء أو الـمنزل كما قال الراجز:
قَدْ فَرَط العِلْـجُ عَلَـيْنا وَعَجِلْ   
وأما الإفراط: فهو الإسراف والإشطاط والتعدّي. يقال منه: أفرطت فـي قولك: إذا أسرف فـيه وتعدّى. وأما التفريط: فإنه التوانـي. يقال منه: فرَّطت فـي هذا الأمر حتـى فـات: إذا توانى فـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { أنْ يَفْرُطَ عَلَـيْنا } قال: عقوبة منه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { إنَّنا نَـخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَـيْنا أوْ أنْ يَطْغَى } قال: نـخاف أن يعجل علـينا إذ نبلغه كلامك أو أمرك، يفرط ويعجل. وقرألا تَـخافـا إنَّنـي مَعَكُما أسمَعُ وأرَى }