الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ }

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قولهوَلِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي } فقال بعضهم: معناه: ولتغذى وتربى علـى مـحبتـي وإرادتـي. ذكر من قال ذلك: حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، فـي قوله:ولِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي } قال: هو غذاؤه، ولتُغذى علـى عينـي. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قولهوَلِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي } قال: جعله فـي بـيت الـملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الـملك، فتلك الصنعة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنت بعينـي فـي أحوالك كلها. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيجوَلِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي } قال: أنت بعينـي إذ جعلتك أمك فـي التابوت، ثم فـي البحر، و { إذْ تَـمْشِي أُخْتُكَ }. وقرأ ابن نهيك: «وَلِتَصْنَعَ» بفتـح التاء. وتأوّله كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الـمؤمن، قال: سمعت أبـا نهيك يقرأ «وَلِتَصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي» فسألته عن ذلك، فقال: ولتعمل علـى عينـي. قال أبو جعفر: والقراءة التـي لا أستـجيز القراءة بغيرهاوَلِتُصْنَعَ } بضم التاء، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها. وإذا كان ذلك كذلك، فأولـى التأويـلـين به، التأويـل الذي تأوّله قَتادَة، وهو:وَألْقَـيْتُ عَلَـيْكَ مَـحَبَّةً مِنِّـي } ولتغذى علـى عينـي، ألقـيت علـيك الـمـحبة منـي. وعنى بقوله: عَلـى عَيْنِـي بـمرأى منـي ومـحبة وإرادة. وقوله: { إذْ تَـمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكُمْ عَلـى مَنْ يَكْفُلُهُ } يقول تعالـى ذكره: حين تـمشي أختك تتبعك حتـى وجدتك، ثم تأتـي من يطلب الـمراضع لك، فتقول: هل أدلكم علـى من يكلفه؟ وحذف من الكلام ما ذكرت بعد قوله { إذْ تَـمْشِي أُخْتُكَ } استغناء بدلالة الكلام علـيه. وإنـما قالت أخت موسى ذلك لهم لِـما: حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما ألقته أمه فـي الـيـمقالَتْ لاِخْتِهِ قُصّيهِ } فلـما التقطه آل فرعون، وأرادوا له الـمرضعات، فلـم يأخذ من أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لـينزلن عند فرعون فـي الرضاع، فأبى أن يأخذ، فقالت أخته:هَلْ أدُلُّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ } ؟ فأخذوها وقالوا: بل قد عرفِت هذا الغُلام، فدلّـينا علـى أهله، قالت: ما أعرفه، ولكن إنـما قلت هم للـملك ناصحون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت، يعنـي أمّ موسى لأخته: قصّيه فـانظري ماذا يفعلون به، فخرجت فـي ذلكفَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } وقد احتاج إلـى الرضاع والتـمس الثدي، وجمعوا له الـمراضع حين ألقـى الله مـحبتهم علـيه، فلا يؤتـى بـامرأة، فـيقبل ثديها، فـيرمضهم ذلك، فـيؤتـى بـمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئاً منهم، فقالت لهم أخته حين رأت من وجدهم به وحرصهم علـيه

السابقالتالي
2 3 4 5 6