الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ }

يقول تعالـى ذكره: { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ } يا مـحمد أن كلّ من قضى له أجلاً فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله { وأجلٌ مسمًّى } يقول: ووقت مسمى عند ربك سماه لهم فـي أمّ الكتاب وخطه فـيه، هم بـالغوه ومستوفوه { لَكانَ لِزَاماً } يقول: للازمهم الهلاك عاجلاً، وهو مصدر من قول القائل: لازم فلان فلاناً يلازمه ملازمة ولزاماً: إذا لـم يفـارقه، وقدّم قوله: { لَكانَ لِزَاماً } قبل قوله { أجَلٌ مُسَمًّى } ومعنى الكلام: ولولا كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً، فـاصبر علـى ما يقولون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاماً وأجَلٌ مُسَمًّى } الأجل الـمسمى: الدنـيا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاماً وأجَلٌ مُسَمًّى } وهذه من مقاديـم الكلام، يقول: لولا كلـمة سبقت من ربك إلـى أجل مسمى كان لزاما، والأجل الـمسمى، الساعة، لأن الله تعالـى يقولبَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، والسَّاعَةُ أدْهَى وأمَرُّ } حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزَاماً وأجَلٌ مُسَمًّى } قال: هذا مقدّم ومؤخر، ولولا كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً. واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: { لَكانَ لِزَاماً } فقال بعضهم: معناه: لكان موتاً. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ قال: ثنـي أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { لَكانَ لِزَاماً } يقول: موتا. وقال آخرون: معناه لكان قتلاً. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد { لَكانَ لِزَاماً } واللزام: القتل. وقوله: { فـاصْبِرْ علـى ما يَقُولُونَ } يقول جلّ ثناؤه لنبـيه: فـاصبر يا مـحمد علـى ما يقول هؤلاء الـمكذّبون بآيات الله من قومك لك إنك ساحر، وإنك مـجنون وشاعر ونـحو ذلك من القول { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } يقول: وصل بثنائك علـى ربك، وقال: بحمد ربك. والـمعنى: بحمدك ربك، كما تقول: أعجبنـي ضرب زيد، والـمعنى: ضربـي زيداً. وقوله: { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } وذلك صلاة الصبح { وَقَبْلَ غُرُوبِها } وهي العصر { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ } وهي ساعات اللـيـل، واحدها: إنْـيٌ، علـى تقدير حمل ومنه قول الـمنـخَّـل السعدي:
حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعِطْفِ القِدْحِ مُرَّتُهُ   فِـي كُلّ إنْـيٍ قَضَاهُ اللَّـيْـلُ يَنْتَعِلُ
ويعنـي بقوله: { وَمِنْ آناءِ اللَّـيْـلِ فَسَبِّحْ } صلاة العشاء الآخرة، لأنها تصلـى بعد مضيّ آناء من اللـيـل. وقوله: { وأطْرَافَ النَّهارِ }: يعنـي صلاة الظهر والـمغرب وقـيـل: أطراف النهار، والـمراد بذلك الصلاتان اللتان ذكرنا، لأن صلاة الظهر فـي آخر طرف النهار الأوّل، وفـي أوّل طرف النهار الآخر، فهي فـي طرفـين منه، والطرف الثالث: غروب الشمس، وعند ذلك تصلـى الـمغرب، فلذلك قـيـل أطراف، وقد يحمل أن يقال: أريد به طرفـا النهار.

السابقالتالي
2 3