الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ }

يقول تعالـى ذكره: { وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري } الذي أذكره به فتولـى عنه ولـم يقبله ولـم يستـجب له، ولـم يتعظ به فـينزجر عما هو علـيه مقـيـم من خلافه أمر ربه { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } يقول: فإن له معيشة ضيقة. والضنك من الـمنازل والأماكن والـمعايش: الشديد يقال: هذا منزل ضنك: إذا كان ضيقاً، وعيش ضنك: الذكر والأنثى والواحد والاثنان والـجمع بلفظ واحد ومنه قول عنترة:
وإنْ نَزَلُوا بضَنْكٍ فأنْزلِ   
وبنحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } يقول: الشقاء. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { ضَنْكاً } قال: ضيقة. حدثنا الـحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قَتادة، فـي قوله: { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال: الضنك: الضيق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد، فـي قوله: { فإنَّ لَهُ مَعَيشَةً ضَنْكاً } يقول: ضيقة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله. واختلف أهل التأويـل فـي الـموضع الذي جعل الله لهؤلاء الـمعرضين عن ذكره العيشة الضنك، والـحال التـي جعلهم فـيها، فقال بعضهم: جعل ذلك لهم فـي الآخرة فـي جهنـم، وذلك أنهم جعل طعامهم فـيها الضريع والزقوم. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو بن علـيّ بن مقدم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عوفُ، عن الـحسن، فـي قوله: { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال: فـي جهنـم. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } فقرأ حتـى بلغ:ولَـمْ يُؤْمِنْ بآياتِ رَبِّهِ } قال: هؤلاء أهل الكفر. قال: ومعيشة ضنكاً فـي النار شوك من نار وزقوم وغسلـين، والضريع: شوك من نار، ولـيس فـي القبر ولا فـي الدنـيا معيشة، ما الـمعيشة والـحياة إلا فـي الآخرة، وقرأ قول الله عزّ وجلّ:يا لَـيْتَنِـي قَدَّمْتُ لِـحَياتِـي } قال: لـمعيشتـي قال: والغسلـين والزقوم: شيء لا يعرفه أهل الدنـيا. حدثنا الـحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة { فإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال: فـي النار. وقال آخرون: بل عنى بذلك: فإن له معيشة فـي الدنـيا حراماً. قال: ووصف الله جلّ وعزّ معيشتهم بـالضنك، لأن الـحرام وإن اتسع فهو ضنك. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرِمة فـي قوله: { مَعِيشَةً ضَنْكاً } قال: هي الـمعيشة التـي أوسع الله علـيه من الـحرام.

السابقالتالي
2 3 4 5