الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

يعنـي بقوله جل ثناؤه: { ومِنْهُمْ أُمِّيون } ومن هؤلاء الـيهود الذين قصّ الله قصصهم فـي هذه الآيات، وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيـمانهم، فقال لهم:أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } [البقرة: 75] وهم إذا لقوكم قالوا آمنا. كما: حدثنا الـمثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُونَ } يعنـي من الـيهود. وحدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قال: أناس من يهود. قال أبو جعفر: يعنـي بـالأميـين: الذين لا يكتبون ولا يقرءون، ومنه قول النبـي صلى الله عليه وسلم: " إِنّا أُمّةٌ أُمِّيّةٌ لا نَكْتُبُ وَلاَ نَـحْسُبُ " يقال منه رجل أميّ بـيِّن الأمية. كما: حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنـي سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن منصور عن إبراهيـم: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُونَ لاَ يَعْلَـمُونَ الكِتَابَ } قال: منهم من لا يحسن أن يكتب. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { ومِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قال: أميون لا يقرءون الكتاب من الـيهود. ورُوي عن ابن عبـاس قول خلاف هذا القول، وهو ما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قال: الأميون قوم لـم يصدّقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتابـاً أنزله الله، فكتبوا كتابـاً بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال:هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ } [البقرة: 79]. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميـين لـجحودهم كتب الله ورسله. وهذا التأويـل تأويـل علـى خلاف ما يعرف من كلام العرب الـمستفـيض بـينهم، وذلك أن الأميّ عند العرب هو الذي لا يكتب. قال أبو جعفر: وأرى أنه قـيـل للأمي أمي نسبة له بأنه لا يكتب إلـى أمه، لأن الكتاب كان فـي الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلـى أمه فـي جهله بـالكتابة دون أبـيه كما ذكرنا عن النبـي صلى الله عليه وسلم من قوله: " إِنّا أُمّةٌ أُمِّيّةٌ لا نَكْتُبُ وَلاَ نَـحْسُبُ " وكما قال:هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [الجمعة: 2] فإذا كان معنى الأمي فـي كلام العرب ما وصفنا، فـالذي هو أولـى بتأويـل الآية ما قاله النـخعي من أن معنى قوله: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ }: ومنهم من لا يحسن أن يكتب. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لاَ يَعْلَـمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أمانِـيَّ }. يعنـي بقوله: { لاَ يَعْلَـمُونَ الكِتَابَ } لا يعلـمون ما فـي الكتاب الذي أنزله الله ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه كهيئة البهائم، كالذي: حدثنـي الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَـمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أمانِـيَّ } إنـما هم أمثال البهائم لا يعلـمون شيئا.

السابقالتالي
2 3 4 5