الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

يعنـي بقوله جل ثناؤه: { وَإِذْ قَتَلْتُـمْ نَفْساً }: واذكروا يا بنـي إسرائيـل إذ قتلتـم نفساً. والنفس التـي قتلوها هي النفس التـي ذكرنا قصتها فـي تأويـل قوله:وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [البقرة: 67]. وقوله: { فـادَّارأتُـمْ فِـيها } يعنـي فـاختلفتـم وتنازعتـم، وإنـما هو «فتدارأتـم فـيها» علـى مثال تفـاعلتـم من الدرء، والدرء: العوج، ومنه قول أبـي النـجم العجلـي:
خَشْيَةَ طغامٍ إذَا هَمَّ حسَرْ   يأكُلُ ذَا الدَّرْءِ وَيُقْصِي منْ حَقَرْ
يعنـي ذا العوج والعُسْر. ومنه قول رؤبة بن العجاج:
أدْرَكْتُها قُدَّام كلّ مِدْرَهِ   بـالدَّفْعِ عَنِّـي دَرْءَ كلَّ عُنْـجُهِ
ومنه الـخبر الذي: حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن الـمقدام، عن إسرائيـل، عن إبراهيـم بن الـمهاجر، عن مـجاهد، عن السائب، قال: جاءنـي عثمان وزهير ابنا أمية، فـاستأذنا لـي علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أعْلَـمُ بِهِ مِنْكُمَا، ألَـمْ تَكُنْ شَرِيكي فـي الـجاهِلِـيَّةِ؟ " قلت: نعم بأبـي أنت وأمي، فنعم الشريك كنت لا تـماري ولا تداري يعنـي بقوله: لا تداري: لا تـخالف رفـيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشارّه. وإنـما أصل { فـادَّارأتُـمْ } فتدارأتـم، ولكن التاء قريبة من مخرج الدال، وذلك أن مخرج التاء من طرف اللسان وأصول الشفتـين، ومخرج الدال من طرف اللسان وأطراف الثنـيتـين، فأدغمت التاء فـي الدال فجعلت دالاً مشددة، كما قال الشاعر:
تُولـي الضَّجيعَ إذَا ما اسْتافَها خَصِراً   عَذْبَ الـمذَاقِ إذَا ما اتّابَعَ القُبَلُ
يريد إذا ما تتابع القبل، فأدغم إحدى التاءين فـي الأخرى. فلـما أدغمت التاء فـي الدال فجعلت دالاً مثلها سكنت، فجلبوا ألفـا لـيصلوا إلـى الكلام بها، وذلك إذا كان قبله شيء لأن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء، ومنه قول الله جل ثناؤه:حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً } [الأعراف: 38] إنـما هو تداركوا، ولكن التاء منها أدغمت فـي الدال فصارت دالاً مشددة، وجعلت فـيها ألف إذا وصلت بكلام قبلها لـيسلـم الإدغام. وإذا لـم يكن قبل ذلك ما يواصله، وابتدىء به، قـيـل: تداركوا وتثاقلوا، فأظهروا الإدغام. وقد قـيـل: يقال: ادَّاركوا وادّارأوا. وقد قـيـل إن معنى قوله: { فـادَّارأتُـمْ فِـيها } فتدافعتـم فـيها، من قول القائل: درأت هذا الأمر عنـي، ومن قول الله:وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } [النور: 8] بـمعنى يدفع عنها العذاب. وهذا قول قريب الـمعنى من القول الأول لأن القوم إنـما تدافعوا قتل قتـيـل، فـانتفـى كل فريق منهم أن يكون قاتله، كما قد بـينا قبل فـيـما مضى من كتابنا هذا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: { فـادَّارأتُـمْ فِـيها } قال أهل التأويـل. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثنـي عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله: { فـادَّارأتُـم فِـيها } قال: اختلفتـم فـيها.

السابقالتالي
2 3 4