الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قال أبو جعفر: الـميثاق: الـمفعال من الوثـيقة إما بـيـمين، وإما بعهد أو غير ذلك من الوثائق. ويعنـي بقوله: { وَأذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ } الـميثاق الذي أخبر جل ثناؤه أنه أخذ منهم فـي قوله:وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة: 83] الآيات الذي ذكر معها. وكان سبب أخذ الـميثاق علـيهم فـيـما ذكره ابن زيد ما: حدثنـي به يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: لـما رجع موسى من عند ربه بـالألواح قال لقومه بنـي إسرائيـل: إن هذه الألواح فـيها كتاب الله، وأمره الذي أمركم به، ونهيه الذي نهاكم عنه، فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتـى نرى الله جهرة حتـى يطلع الله علـينا فـيقول: هذا كتابـي فخذوه فما له لا يكلـمنا كما كلـمك أنت يا موسى فـيقول: هذا كتابـي فخذوه؟ قال: فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة فصعقتهم، فماتوا أجمعون. قال: ثم أحياهم الله بعد موتهم، فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله فقالوا: لا، قال: أيّ شيء أصابكم؟ قالوا: متنا ثم حيـينا، قال: خذوا كتاب الله قالوا: لا. فبعث ملائكته فنتقت الـجبل فوقهم، فقـيـل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطور، قال: خذوا الكتاب وإلا طرحناه علـيكم قال: فأخذوه بـالـميثاق. وقرأ قول الله:وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة: 83] حتـى بلغ:وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 74] قال: ولو كانوا أخذوه أوّل مرّة لأخذوه بغير ميثاق. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ }. قال أبو جعفر: وأما الطور فإنه الـجبل فـي كلام العرب، ومنه قول العجاج:
دَانَى جنَاحَيْهِ مِنَ الطُّورِ فَمَرّ   تَقَضِّيَ البـازِي إذا البـازِي كَسَرْ
وقـيـل إنه اسم جبل بعينه. وذكر أنه الـجبل الذي ناجى الله علـيه موسى. وقـيـل: إنه من الـجبـال ما أنبت دون ما لـم ينبت. ذكر من قال: هو الـجبل كائنا ما كان. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: أمر موسى قومه أن يدخـلوا البـاب سجداً ويقولوا حطة وطؤطىء لهم البـاب لـيسجدوا، فلـم يسجدوا ودخـلوا علـى أدبـارهم، وقالوا حنطة. فنتق فوقهم الـجبل يقول: أخرج أصل الـجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظلة، والطور بـالسريانـية: الـجبل تـخويفـاً أو خوفـاً، شك أبو عاصم فدخـلوا سُجّداً علـى خوف وأعينهم إلـى الـجبل، وهو الـجبل الذي تـجلـى له ربه. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: رفع الـجبل فوقهم كالسحابة، فقـيـل لهم: لتؤمننّ أو لـيقعنّ علـيكم، فآمنوا. والـجبل بـالسريانـية: الطور. حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } قال: الطور: الـجبل، كانوا بأصله فرفع علـيهم فوق رءوسهم، فقال: لتأخذُنّ أمري أو لأرمينكم به.

السابقالتالي
2 3