الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قال أبو جعفر: أما الذين آمنوا فهم الـمصدّقون رسول الله فـيـما أتاهم به من الـحقّ من عند الله، وإيـمانهم بذلك: تصديقهم به علـى ما قد بـيناه فـيـما مضى من كتابنا هذا. وأما الذين هادوا، فهم الـيهود، ومعنى هادوا: تابوا، يقال منه: هاد القوم يهودون هَوْدا وهادةً. وقـيـل: إنـما سميت الـيهود يهود من أجل قولهم: إنا هُدْنا إلَـيْكَ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاح، عن ابن جريج، قال: إنـما سميت الـيهود من أجل أنهم قالوا:إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ } [الأعراف: 156] القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَٱلنَّصَارَىٰ }. قال أبو جعفر: والنصارى جمع، واحدهم نَصْران، كما واحد السَكارى سكران، وواحد النّشاوى نشوان. وكذلك جمع كل نعت كان واحده علـى فعلان، فإن جمعه علـى فعالـى إلا أن الـمستفـيض من كلام العرب فـي واحد النصارى نصرانـيّ. وقد حُكي عنهم سماعاً «نَصْرَان» بطرح الـياء، ومنه قول الشاعر:
تَرَاهُ إذَا زَارَ العَشِيُّ مُـحَنِّفـاً   ويُضْحِي لَدَيْهِ وَهْوَ نَصْرانُ شَامِسُ
وسمع منهم فـي الأنثى نصرانة، قال الشاعر:
فكِلْتاهُما خَرَّتْ وأسْجَدَ رأسُها   كما سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لـمْ تَـحَنَّفِ
يقال: أسجد: إذا مال. وقد سمع فـي جمعهم أنصار بـمعنى النصارى، قال الشاعر:
لَـمّا رأيْتُ نَبَطاً أنْصَارَا   شَمّرْتُ عَنْ رُكْبَتِـي الإزارَا
كُنْتُ لَهُمْ مِن النّصَارَى جارَا   
وهذه الأبـيات التـي ذكرتها تدل علـى أنهم سُموا نصارى لنصرة بعضهم بعضاً وتناصرهم بـينهم. وقد قـيـل إنهم سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضاً يقال لها «ناصرة». حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج: النصارى إنـما سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة. ويقول آخرون: لقوله:مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [آل عمران: 52]. وقد ذكر عن ابن عبـاس من طريق غير مرتضى أنه كان يقول: إنـما سميت النصارى نصارى، لأن قرية عيسى بن مريـم كانت تسمى ناصرة، وكان أصحابه يسمون الناصريـين، وكان يقال لعيسى: الناصري. حدثت بذلك عن هشام بن مـحمد، عن أبـيه، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: إنـما سموا نصارى لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريـم، فهو اسم تسموا به ولـم يؤمروا به. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } قال: تسموا بقرية يقال لها ناصرة، كان عيسى بن مريـم ينزلها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَٱلصَّابِئِينَ } قال أبو جعفر: والصابئون جمع صابىء، وهو الـمستـحدث سوى دينه ديناً، كالـمرتدّ من أهل الإسلام عن دينه. وكل خارج من دين كان علـيه إلـى آخر غيره تسميه العرب صابئاً، يقال منه: صَبَأ فلان يَصْبَأ صَبْأً، ويقال: صبأت النـجوم: إذا طلعت، وصبأ علـينا فلان موضع كذا وكذا، يعنـي به طلع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7