الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

وتأويـل ذلك: واذكروا أيضاً إذ قال موسى لقومه من بنـي إسرائيـل: يا قوم إنكم ظلـمتـم أنفسكم. وظلـمهم إياها كان فعلهم بها ما لـم يكن لهم أن يفعلوه بها مـما أوجب لهم العقوبة من الله تعالـى، وكذلك كل فـاعل فعلاً يستوجب به العقوبة من الله تعالـى فهو ظالـم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالـى. وكان الفعل الذي فعلوه فظلـموا به أنفسهم، هو ما أخبر الله عنهم من ارتدادهم بـاتـخاذهم العجل ربـاً بعد فراق موسى إياهم، ثم أمرهم موسى بـالـمراجعة من ذنبهم والإنابة إلـى الله من ردّتهم بـالتوبة إلـيه، والتسلـيـم لطاعته فـيـما أمرهم به وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم. وقد دللنا فـيـما مضى علـى أن معنى التوبة: الأوبة مـما يكرهه الله إلـى ما يرضاه من طاعته. فـاستـجاب القوم لـما أمرهم به موسى من التوبة مـما ركبوا من ذنوبهم إلـى ربهم علـى ما أمرهم به. كما: حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبد الرحمن، أنه قال فـي هذه الآية: { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } قال: عمدوا إلـى الـخناجر، فجعل يطعن بعضهم بعضاً. حدثنـي عبـاس بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، قال ابن جريج، أخبرنـي القاسم بن أبـي بزة أنه سمع سعيد بن جبـير ومـجاهداً قالا: قام بعضهم إلـى بعض بـالـخناجر يقتل بعضهم بعضاً لا يحنّ رجل علـى رجل قريب ولا بعيد، حتـى ألوى موسى بثوبه، فطرحوا ما بأيديهم، فتكشف عن سبعين ألف قتـيـل، وإن الله أوحى إلـى موسى أن حسبـي قد اكتفـيت، فذلك حين ألوى بثوبه. حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، قال: قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: قال موسى لقومه: { تُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه عزّ وجلّ أن يقتلوا أنفسهم، قال: فـاختبأ الذين عكفوا علـى العجل فجلسوا، وقام الذين لـم يعكفوا علـى العجل وأخذوا الـخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلـمة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضاً. فـانـجلت الظلـمة عنهم، وقد أجْلَوْا عن سبعين ألف قتـيـل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقـي كانت له توبة. وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، قال: لـما رجع موسى إلـى قومهقَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } [طه: 86] إلـى قوله: فَكَذَلِكَ ألْقَـى السّامِرِيّ { فألْقَـى } مُوسَىٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } [الأعراف: 150]قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }

السابقالتالي
2 3 4