الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

أما تأويـل قوله: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ } فإنه عطف علـى: { وَإذْ نَـجّيْناكُمْ } بـمعنى: واذكروا نعمتـي التـي أنعمت علـيكم، واذكروا إذ نـجيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر. ومعنى قوله: { فَرَقْنَا بِكُمُ }: فصلنا بكم البحر، لأنهم كانوا اثنـي عشر سبطاً، ففرق البحر اثنـي عشر طريقاً، فسلك كل سبط منهم طريقاً منها. فذلك فرق الله بهم جل ثناؤه البحر، وفصله بهم بتفريقهم فـي طرقه الاثنـي عشر. كما: حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر، عن السدي: لـما أتـى موسى البحر كناه أبـا خالد، وضربه فـانفلق فكان كل فرق كالطود العظيـم، فدخـلت بنو إسرائيـل، وكان فـي البحر اثنا عشر طريقاً فـي كل طريق سبط. وقد قال بعض نـحويـي البصرة: معنى قوله: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } فرقنا بـينكم وبـين الـماء: يريد بذلك: فصلنا بـينكم وبـينه وحجزناه حيث مررتـم به. وذلك خلاف ما فـي ظاهر التلاوة لأن الله جل ثناؤه إنـما أخبر أنه فرق البحر بـالقوم، ولـم يخبر أنه فرق بـين القوم وبـين البحر، فـيكون التأويـل ما قاله قائلوا هذه الـمقالة، وفرقه البحر بـالقوم، إنـما هو تفريقه البحر بهم علـى ما وصفنا من افتراق سبـيـله بهم علـى ما جاءت به الآثار. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }. قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف غرق الله جل ثناؤه آل فرعون، ونَـجَّى بنـي إسرائيـل؟ قـيـل له: كما: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: لقد ذكر لـي أنه خرج فرعون فـي طلب موسى علـى سبعين ألفـاً من دُهْم الـخيـل سوى ما فـي جنده من شُهْبِ الـخيـل وخرج موسى، حتـى إذا قابله البحر ولـم يكن له عنه منصرف، طلع فرعون فـي جنده من خـلفهم،فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] قال موسى:كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] أي للنـجاة، وقد وعدنـي ذلك ولا خـلف لوعده. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي ابن إسحاق، قال: أوحى الله إلـى البحر فـيـما ذكر إذا ضربك موسى بعصاه فـانفلقْ له، قال: فبـات البحر يضرب بعضه بعضاً فَرَقاً من الله وانتظار أمره، فأوحى الله جل وعزّ إلـى موسى:أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } [الشعراء: 63] فضربه بها وفـيها سلطان الله الذي أعطاه،فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء: 63] أي كالـجبل علـى يبس.من الأرض. يقول الله لـموسى:ٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [طه: 77] فلـما استقرّ له البحر علـى طريق قائمة يَبَسٍ سلك فـيه موسى ببنـي إسرائيـل، وأتبعه فرعون بجنوده.

السابقالتالي
2 3 4 5