الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ }

قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بـالـخشوع له بـالطاعة أنه يظنّ أنه ملاقـيه، والظنّ: شكّ، والشاكّ فـي لقاء الله عندك بـالله كافر؟ قـيـل له: إن العرب قد تسمي الـيقـين ظنا، والشك ظنا، نظير تسميتهم الظلـمة سُدْفة والضياء سُدْفة، والـمغيث صارخا، والـمستغيث صارخا، وما أشبه ذلك من الأسماء التـي تسمي بها الشيء وضدّه. ومـما يدل علـى أنه يسمى به الـيقـين قول دُريد بن الصمة:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنّوا بإِلْفَـيْ مُدَجَّجٍ   سَرَاتُهُمُ فـي الفـارِسيِّ الـمُسَرَّدِ
يعنـي بذلك: تـيقنوا ألفـي مدجج تأتـيكم. وقول عَميرة بن طارق:
بِأنْ تَعتَزُوا قَوْمي وأقْعُدُ فِـيكُمُ   وأجْعَلَ مِنِّـي الظن غَيْبـا مُرَجَّمَاً
يعنـي: وأجعل منـي الـيقـين غيبـاً مرجماً. والشواهد من أشعار العرب وكلامها علـى أن الظنّ فـي معنى الـيقـين أكثر من أن تـحصى، وفـيـما ذكرنا لـمن وُفّق لفهمه كفـاية. ومنه قول الله جل ثناؤه:وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } [الكهف: 53] وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك جاء تفسير الـمفسرين. حدثنـي الـمثنى ابن إبراهيـم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: { يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } قال: إن الظنّ ههنا يقـين. وحدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن جابر، عن مـجاهد، قال: كل ظنّ فـي القرآن يقـين، إنـي ظننت وظنوا. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو داود الـحفري، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: كل ظنّ فـي القرآن فهو علـم. وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِم } أما يظنون فـيستـيقنون. وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِم } علـموا أنهم ملاقوا ربهم، هي كقوله:إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [الحاقه: 20] يقول علـمت. وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِم } قال: لأنهم لـم يعاينوا، فكان ظنهم يقـيناً، ولـيس ظنا فـي شك. وقرأ:إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [الحاقه: 20] القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِم }. قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف قـيـل إنهم ملاقوا ربهم فأضيف الـملاقون إلـى الربّ جل ثناؤه وقد علـمت أن معناه: الذين يظنون أنهم يـلقون ربهم؟ وإذا كان الـمعنى كذلك، فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبـات النون، وإنـما تسقط النون وتُضيف فـي الأسماء الـمبنـية من الأفعال إذا كانت بـمعنى فعل، فأما إذا كانت بـمعنى يفعل وفـاعل، فشأنها إثبـات النون، وترك الإضافة قـيـل: لا تَدَافُعَ بـين جميع أهل الـمعرفة بلغات العرب وألسنها فـي إجازة إضافة الاسم الـمبنـي من فعل ويفعل، وإسقاط النون وهو بـمعنى يفعل وفـاعل، أعنـي بـمعنى الاستقبـال وحالِ الفعل ولـما ينقض، فلا وجه لـمسألة السائل عن ذلك: لـم قـيـل؟ وإنـما اختلف أهل العربـية فـي السبب الذي من أجله أضيف وأسقطت النون.

السابقالتالي
2 3