الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

وقد ذكرنا القول في تأويل قوله: { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } فـيـما مضى فلا حاجة بنا إلـى إعادته، إذ كان معناه فـي هذا الـموضع هو معناه فـي ذلك الـموضع. وقد: حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح فـي قوله: { ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } قال: آدم، وحوّاء، والـحية، وإبلـيس. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى }. قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم } فإن يأتكم، و«ما» التـي مع «إن» توكيد للكلام، ولدخولها مع «إن» أدخـلت النون الـمشددة فـي «يأتـينكم» تفرقة بدخولها بـين «ما» التـي تأتـي بـمعنى توكيد الكلام التـي تسميها أهل العربـية صلة وحشواً، وبـين «ما» التـي تأتـي بـمعنى «الذي»، فتؤذن بدخولها فـي الفعل، أن «ما» التـي مع «إن» التـي بـمعنى الـجزاء توكيد، ولـيست «ما» التـي بـمعنى «الذي». وقد قال بعض نـحويـي البصريـين: إنّ «إما» «إن» زيدت معها «ما»، وصار الفعل الذي بعده بـالنون الـخفـيفة أو الثقـيـلة، وقد يكون بغير نون. وإنـما حسنت فـيه النون لـمّا دخـلته «ما»، لأن «ما» نفـي، فهي مـما لـيس بواجب، وهي الـحرف الذي ينفـي الواجب، فحسنت فـيه النون، نـحو قولهم: «بعين ما أرينك» حين أدخـلت فـيها «ما» حسنت النون فـيـما ههنا. وقد أنكر جماعة من أهل العربـية دعوى قائلـي هذه الـمقالة أن «ما» التـي مع «بعين ما أرينّك» بـمعنى الـجحد، وزعموا أن ذلك بـمعنى التوكيد للكلام. وقال آخرون: بل هو حشو فـي الكلام، ومعناها الـحذف، وإنـما معنى الكلام: بعين أراك، وغير جائز أن يجعل مع الاختلاف فـيه أصلاً يقاس علـيه غيره. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }. قال أبو جعفر: والهدى فـي هذا الـموضع البـيان والرشاد، كما: حدثنا الـمثنى ابن إبراهيـم، قال: حدثنا آدم العسقلانـي، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } قال: الهدى: الأنبـياء والرسل والبـيان. فإن كان ما قال أبو العالـية فـي ذلك كما قال، فـالـخطاب بقوله: { ٱهْبِطُواْ } وإن كان لآدم وزوجته، فـيجب أن يكون مراداً به آدم وزوجته وذرّيتهما. فـيكون ذلك حينئذٍ نظير قوله:فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11] بـمعنى أتـينا بـما فـينا من الـخـلق طائعين. ونظير قوله فـي قراءة ابن مسعود: «رَبَّنا وَاجْعَلْنَا مُسْلِـمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرّيَّتِنا أمةً مُسْلِـمَةً لَكَ وأرِهِمْ مَناسِكَهُمْ» فجمع قبل أن تكون ذرية، وهو فـي قراءتنا:وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } [البقرة: 128] وكما يقول القائل لآخر: كأنك قد تزوّجت وولد لك وكثرتـم وعززتـم. ونـحو ذلك من الكلام. وإنـما قلنا إن ذلك هو الواجب علـى التأويـل الذي ذكرناه عن أبـي العالـية لأن آدم كان هو النبـي صلى الله عليه وسلم أيام حياته بعد أن أهبط إلـى الأرض، والرسول من الله جل ثناؤه إلـى ولده، فغير جائز أن يكون معنـياً وهو الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } خطابـاً له ولزوجته: فإما يأتـينكم منـي هدى أنبـياء ورسل إلا علـى ما وصفت من التأويـل.

السابقالتالي
2