الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

قال أبو جعفر: إن الله جل ثناؤه عرّف ملائكته الذين سألوه أن يجعلهم الـخـلفـاء فـي الأرض ووصفوا أنفسهم بطاعته والـخضوع لأمره دون غيرهم الذين يفسدون فـيها ويسفكون الدماء، أنهم من الـجهل بـمواقع تدبـيره ومـحل قضائه، قبل إطلاعه إياهم علـيه، علـى نـحو جهلهم بأسماء الذين عرضهم علـيهم، إذْ كان ذلك مـما لـم يعلـمهم فـيعلـموه، وأنهم وغيرهم من العبـاد لا يعلـمون من العلـم إلا ما علـمهم إياه ربهم، وأنه يخصّ بـما شاء من العلـم من شاء من الـخـلق ويـمنعه منهم من شاء كما علـم آدم أسماء ما عرض علـى الـملائكة ومنعهم علـمها إلا بعد تعلـيـمه إياهم. فأما تأويـل قوله: { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ } يقول: أخبر الـملائكة. والهاء والـميـم فـي قوله: { أَنبِئْهُمْ } عائدتان علـى الـملائكة، وقوله: { بِأَسْمَآئِهِمْ } يعنـي بأسماء الذين عرضهم علـى الـملائكة. والهاء والـميـم اللتان فـي «أسمائهم» كناية عن ذكر هؤلاء التـي فـي قوله:أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ } [البقرة: 31] { فلـما أنبـاهم } يقول: فلـما أخبر آدم الـملائكة بأسماء الذين عرضهم علـيهم، فلـم يعرفوا أسماءهم، وأيقنوا خطأ قـيـلهم:أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [البقرة: 30] وأنهم قد هفوا فـي ذلك وقالوا: ما لا يعلـمون كيفـية وقوع قضاء ربهم فـي ذلك، لو وقع علـى ما نطقوا به، قال لهم ربهم: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } والغيب: هو ما غاب عن أبصارهم فلـم يعاينوه توبـيخاً من الله جل ثناؤه لهم بذلك علـى ما سلف من قـيـلهم وفرط منهم من خطأ مسألتهم، كما: حدثنا به مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك عن ابن عبـاس: { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } يقول: أخبرهم بأسمائهم، { فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } أيها الـملائكة خاصة { إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ولا يعلـمه غيري. وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قصة الـملائكة وآدم، فقال الله للـملائكة: كما لـم تعلـموا هذه الأسماء فلـيس لكم علـم، إنـما أردت أن أجعلهم لـيفسدوا فـيها، هذا عندي قد علـمته فكذلك أخفـيت عنكم أنـي أجعل فـيها من يعصينـي ومن يطيعنـي. قال: وسبق من الله:لأمْلأَنَّ جَهَنَّـمَ مِنَ الـجِنَّةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ } قال: ولـم تعلـم الـملائكة ذلك ولـم يدروه. قال: فلـما رأوا ما أعطى الله آدم من العلـم أقرّوا لآدم بـالفضل. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فروى عن ابن عبـاس فـي ذلك ما: حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } يقول: ما تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يقول: أعلـم السرّ كما أعلـم العلانـية.

السابقالتالي
2 3