الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } فـيتعبدها إلا بـما يسعها، فلا يضيق علـيها، ولا يجهدها. وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن الوسع اسم من قول القائل: وسعنـي هذا الأمر مثل الـجُهْد والوُجْد من جهدنـي هذا الأمر ووجدت منه. كما: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } قال: هم الـمؤمنون، وسع الله علـيهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه:وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وقال:يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة: 185] وَقالَ:ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَّا ٱسْتَطَعْتُم } [التغابن: 16]. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عبـاس، قال: لـما نزلت ضجّ الـمؤمنون منها ضجة وقالوا: يا رسول الله هذا، نتوب من عمل الـيد والرجل واللسان، كيف نتوب من الوسوسة، كيف نـمتنع منها؟ فجاء جبريـل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } إنكم لا تستطيعون أن تـمتنعوا من الوسوسة. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } وسعها: طاقتها، وكان حديث النفس مـما لا يطيقون. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ }. يعنـي بقوله جل ثناؤه لها: للنفس التـي أخبر أنه لا يكلفها إلا وسعها، يقول: لكل نفس ما اجترحت وعملت من خير وعلـيها: يعنـي وعلـى كل نفس ما اكتسبت: ما عملت من شرّ. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي من خير { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } أي من شرّ، أو قال: من سوء. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { لَهَا مَا كَسَبَتْ } يقول: ما عملت من خير، { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } يقول: وعلـيها ما عملت من شرّ. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عبـاس: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } عمل الـيد والرجل واللسان. فتأويـل الآية إذا: لا يكلف الله نفساً إلا ما يسعها، فلا يجهدها، ولا يضيق علـيها فـي أمر دينها، فـيؤاخذها بهمة إن همت، ولا بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8