الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

يعنـي جل ثناؤه بذلك: وإن كان مـمن تقبضون منه من غرمائكم رؤوس أموالكم ذو عسرة، يعنـي معسراً برؤوس أموالكم التـي كانت لكم علـيهم قبل الإربـاء، فأنظِروهم إلـى ميسرتهم. وقوله: { ذُو عُسْرَةٍ } مرفوع بكان، فـالـخبر متروك، وهو ما ذكرنا، وإنـما صلـح ترك خبرها من أجل أن النكرات تضمر لها العرب أخبـارها، ولو وجهت كان فـي هذا الـموضع إلـى أنها بـمعنى الفعل الـمتكفـي بنفسه التامّ، لكان وجهاً صحيحاً، ولـم يكن بها حاجة حينئذ إلـى خبر. فـيكون تأويـل الكلام عند ذلك: وإن وجد ذو عسرة من غرمائكم برؤوس أموالكم، فنظرة إلـى ميسرة. وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب: «وَإنْ كانَ ذا عُسْرَةٍ» بـمعنى: وإن كان الغريـم ذا عسرة فنظرة إلـى ميسرة. وذلك وإن كان فـي العربـية جائزا فغير جائزة القراءة به عندنا بخلافه خطوط مصاحف الـمسلـمين. وأما قوله: { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } فإنه يعنـي: فعلـيكم أن تنظروه إلـى ميسرة، كما قال:فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } [البقرة: 196] وقد ذكرنا وجه رفع ما كان من نظائرها فـيـما مضى قبل، فأغنى عن تكريره. والـميسرة: الـمفعلة من الـيسر، مثل الـمرحمة والـمشأمة. ومعنى الكلام: وإن كان من غرمائكم ذو عسرة، فعلـيكم أن تنظروه حتـى يوسر بـما لـيس لكم، فـيصير من أهل الـيسر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي واصل بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن فضيـل، عن يزيد بن أبـي زياد، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس فـي قوله: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } قال: نزلت فـي الربـا. حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: ثنا هشام، عن ابن سيرين: أن رجلاً خاصم رجلاً إلـى شريح قال: فقضى علـيه، وأمر بحبسه. قال: فقال رجل عند شريح: إنه معسر، والله يقول فـي كتابه: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } قال: فقال شريح: إنـما ذلك فـي الربـا، وإن الله قال فـي كتابه:إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } [النساء: 58] ولا يأمرنا الله بشيء ثم يعذّبنا علـيه. حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } قال: ذلك فـي الربـا. حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن الـحسن: أن الربـيع بن خُثَـيْـم كان له علـى رجل حقّ، فكان يأتـيه ويقوم علـى بـابه ويقول: أي فلان إن كنت موسراً فأدّ، وإن كنت معسراً فإلـى ميسرة. حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن أيوب، عن مـحمد، قال: جاء رجل إلـى شريح، فكلـمه، فجعل يقول: إنه معسر، إنه معسر، قال: فظننت أنه يكلـمه فـي مـحبوس.

السابقالتالي
2 3 4 5