الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }

يعنـي جل ثناؤه بقوله: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } فإن لـم تذروا ما بقـي من الربـا. واختلف القراء فـي قراءة قوله: { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: { فَأْذَنُواْ } بقصر الألف من فأذنوا وفتـح ذالها، بـمعنًى وكونوا علـى علـم وإذْن. وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قراء الكوفـيـين: «فَآذِنُوا» بـمدّ الألف من قوله: «فآذِنوا» وكسر ذالها، بـمعنى: فآذنوا غيركم، أعلـموهم وأخبروهم بأنكم علـى حربهم. وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك، قراءة من قرأ: { فَأْذَنُواْ } بقصر ألفها وفتـح ذالها، بـمعنى: اعلـموا ذلك واستـيقنوه، وكونوا علـى إذن من الله عزّ وجل لكم بذلك. وإنـما اخترنا ذلك، لأن الله عزّ وجلّ أمر نبـيه صلى الله عليه وسلم أن ينبذ إلـى من أقام علـى شركه الذي لا يقرّ علـى الـمقام علـيه، وأن يقتل الـمرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام، أذنه الـمشركون بأنهم علـى حربه أولـم يأذنوه، فإذ كان الـمأمور بذلك لا يخـلو من أحد أمرين، إما أن يكون كان مشركاً مقـيـماً علـى شركه الذي لا يقرّ علـيه، أو يكون كان مسلـماً فـارتدّ وأذن بحرب، فأيّ الأمرين كان، فإنـما نبذ إلـيه بحرب، لا أنه أمر بـالإيذان بها إن عزم علـى ذلك، لأن الأمر إن كان إلـيه فأقام علـى أكل الربـا مستـحلاً له، ولـم يؤذن الـمسلـمون بـالـحرب، لـم يـلزمهم حربه، ولـيس ذلك حكمه فـي واحدة من الـحالـين، فقد علـم أنه الـمأذون بـالـحرب لا الآذن بها. وعلـى هذا التأويـل تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فـي قوله:يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ } [البقرة: 278] إلـى قوله: { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فمن كان مقـيـماً علـى الربـا لا ينزع عنه، فحقّ علـى إمام الـمسلـمين أن يستتـيبه، فإن نزع، وإلا ضرب عنقه. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: ثنا ربـيعة بن كلثوم، قال: ثنـي أبـي، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: يقال يوم القـيامة لآكل الربـا: خذ سلاحك للـحرب. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا ربـيعة بن كلثوم، قال: ثنـي أبـي، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أوعدهم الله بـالقتل كما تسمعون، فجعلهم هرجاً أينـما ثقـفوا. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، مثله.

السابقالتالي
2