الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

أما قوله: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فبـيان من الله عزّ وجلّ عن سبيل النفقة ووجهها. ومعنى الكلام: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، تنفقون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. واللام التـي فـي الفقراء مردودة علـى موضع اللام فـي فلأنفسكم، كأنه قال: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } يعنـي به: وما تتصدّقوا به من مال، فللفقراء الذين أحصروا فـي سبـيـل الله، فلـما اعترض فـي الكلام بقوله: «فلأنفسكم»، فأدخـل الفـاء التـي هي جواب الـجزاء فـيه تركت إعادتها فـي قوله: «للفقراء»، إذ كان الكلام مفهوماً معناه. كما: حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي قوله:لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ } [البقرة: 272] أما «لـيس علـيك هداهم»، فـيعنـي الـمشركين، وأما النفقة فبـين أهلها، فقال: للفقراء الذين أحصروا فـي سبـيـل الله. وقـيـل: إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله فـي هذه الآية، هم فقراء الـمهاجرين عامة دون غيرهم من الفقراء. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } مهاجري قريش بـالـمدينة مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم، أمر بـالصدقة علـيهم. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه قوله: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ }... الآية. قال: هم فقراء الـمهاجرين بـالـمدينة. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال: فقراء الـمهاجرين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ }. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: الذين جعلهم جهادهم عدوّهم يحصرون أنفسهم فـيحبسونها عن التصرف فلا يستطيعون تصرّفـا. وقد دللنا فـيـما مضى قبل علـى أن معنى الإحصار: تصيـير الرجل الـمـحصر بـمرضه أو فـاقته أو جهاده عدوّه، وغير ذلك من علله إلـى حالة يحبس نفسه فـيها عن التصرّف فـي أسبـابه بـما فـيه الكفـاية فـيـما مضى قبل. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: فـي ذلك بنـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك: حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال: حصروا أنفسهم فـي سبـيـل الله للغزو. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال: كانت الأرض كلها كفراً لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل الله إذا خرج خرج فـي كفر.

السابقالتالي
2 3 4