الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

يعنـي تعالـى ذكرهيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلاْذَىٰ كَٱلَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ } [البقرة: 264] { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلانْهَـٰرُ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ وَأَصَابَهُ }... الآية. ومعنى قوله: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ } أيحبّ أحدكم أن تكون له جنة ـ يعنـي بستاناً من نـخيـل وأعناب ـ تـجري من تـحتها الأنهار ـ يعنـي من تـحت الـجنة ـ وله فـيها من كل الثمرات. والهاء فـي قوله: { لَهُ } عائدة علـى أحد، والهاء والألف فـي: { فِيهَا } علـى الـجنة، { وَأَصَابَهُ } يعنـي وأصاب أحدكم الكبر، { وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاء }. وإنـما جعل جل ثناؤه البستان من النـخيـل والأعناب، الذي قال جل ثناؤه لعبـاده الـمؤمنـين: أيودّ أحدكم أن تكون له مثلاً لنفقة الـمنافق التـي ينفقها رياء الناس، لا ابتغاء مرضاة الله، فـالناس بـما يظهر لهم من صدقته، وإعطائه لـما يعطى وعمله الظاهر، يثنون علـيه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته فـي حسنه كحسن البستان وهي الـجنة التـي ضربها الله عزّ وجلّ لعمله مثلاً من نـخيـل وأعناب، له فـيها من كل الثمرات، لأن عمله ذلك الذي يعمله فـي الظاهر فـي الدنـيا، له فـيه من كل خير من عاجل الدنـيا، يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذرّيته، ويكتسب به الـمـحمدة وحسن الثناء عند الناس، ويأخذ به سهمه من الـمغنـم مع أشياء كثـيرة يكثر إحصاؤها، فله فـي ذلك من كل خير فـي الدنـيا، كما وصف جل ثناؤه الـجنة التـي وصف مثلاً بعمله، بأن فـيها من كل الثمرات، ثم قال جل ثناؤه: { وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاء } يعنـي أن صاحب الـجنة أصابه الكبر وله ذرية ضعفـاء صغار أطفـال، { فَأَصَابَهَا } يعنـي فأصاب الـجنة إعصار فـيه نار، { فَٱحْتَرَقَتْ } يعنـي بذلك أن جنته تلك أحرقتها الريح التـي فـيها النار فـي حال حاجته إلـيها، وضرورته إلـى ثمرتها بكبره وضعفه عن عمارتها، وفـي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقـيام علـيها، فبقـي لا شيء له أحوج ما كان إلـى جنته وثمارها بـالآفة التـي أصابتها من الإعصار الذي فـيه النار. يقول: فكذلك الـمنفق ماله رياء الناس، أطفأ الله نوره، وأذهب بهاء عمله، وأحبط أجره حتـى لقـيه، وعاد إلـيه أحوج ما كان إلـى عمله، حين لا مستَعْتَب له ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة، واضمـحلّ عمله كما احترقت الـجنة التـي وصف جل ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذرّيته أحوج ما كان إلـيها فبطلت منافعها عنه. وهذا الـمثل الذي ضربه الله للـمنفقـين أموالهم رياء الناس فـي هذه الآية نظير الـمثل الآخر الذي ضربه لهم بقوله: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْء مّمَّا كَسَبُواْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7