الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أنزل الله جل ثناؤه فـيه هذه الآية وفـي تأويـلها. فقال بعضهم بـما: حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لـما ضرب الله هذين الـمثلـين للـمنافقـين، يعنـي قوله:مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [البقرة: 17] وقوله:أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 19] الآيات الثلاث، قال الـمنافقون: الله أعلـى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل الله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } إلـى قوله: { أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }. وقال آخرون بـما: حدثنـي به أحمد بن إبراهيـم، قال: حدثنا قُراد عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله تعالـى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } قال: هذا مثل ضربه الله للدنـيا، إن البعوضة تـحيا ما جاعت، فإذا سمنت ماتت، وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب الله لهم هذا الـمثل فـي القرآن، إذا امتلئوا من الدنـيا رِيّا أخذهم الله عند ذلك. قال: ثم تلافَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 44] الآية. وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس بنـحوه، إلا أنه قال: فإذا خـلى آجالهم، وانقطعت مدتهم، صاروا كالبعوضة تـحيا ما جاعت وتـموت إذا رويت فكذلك هؤلاء الذين ضرب الله لهم هذا الـمثل إذا امتلئوا من الدنـيا ريّا أخذهم الله فأهلكهم، فذلك قوله:حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [الأنعام: 44]. وقال آخرون بـما: حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } أي إن الله لا يستـحيـي من الـحقّ أن يذكر منه شيئاً ما قل منه أو كثر. إن الله حين ذكر فـي كتابه الذبـاب والعنكبوت، قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }. وحدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لـما ذكر الله العنكبوت والذبـاب، قال الـمشركون: ما بـال العنكبوت والذبـاب يذكران؟ فأنزل الله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }. وقد ذهب كل قائل مـمن ذكرنا قوله فـي هذه الآية وفـي الـمعنى الذي نزلت فـيه مذهبـاً، غير أن أولـى ذلك بـالصواب وأشبهه بـالـحقّ ما ذكرنا من قول ابن مسعود وابن عبـاس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6